من بواكيره وروح من الأدب الفرنسي في بعضها لقلت بأن أنور لم يقلّد في أسلوبه أحداً أبداً. وهل لشاعر مثل الذي لأنور في وصف الطبيعة وفي وصف البلدان وفي وصف الرؤى والأحلام، حتى يقلده أنور؟
* * *
وبعد، فهذا ديوان الوفاء للعربية: نَخَلَ مفرداتها فاختار أطيبها، وعرض أساليبها فاصطفى أحلاها. وديوان الوفاء لأقطارها: جرى بردى منذ الأزل، وقام لبنان، فهل قال شاعر في بردى مثل الذي قال أنور؟ هل نظم في لبنان مثل ما نظم؟ وهل يعرف القارئ في الشعر الحديث قصيدة في وصف الطبيعة أعظم من «لبنان» التي اشتمل عليها هذا الديوان (١)؟ أنا لا أبالغ ولا أغالي، وهذا الشعر الحديث بين أيدي الناس، فمَن عرف أعظم منها فليقل ... ولكن «المعاصرة» حرمان، وأزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، وستمحص السنون هذا الشعر وهذا النثر، وتميز الزجاج من الجوهر والنحاس من الذهب، وهنالك -بعد أن يذهب الرجال وتنقطع الصداقات والعداوات ولا يبقى إلاّ الأدب الذي يستحق الخلود- تُعرف قيمة «لبنان» وقيمة «بردى»، وهنالك -بعد أن
(١) أحسب أن من هذه القصيدة الأبيات التي رواها علي الطنطاوي في آخر مقالة «إلى لبنان» في كتاب «مع الناس»، وأولها: والروابي توسّدت راحة السحب ... أقول هذا ظناً بلا جزم (مجاهد).