أحداً أبداً، أستاذنا مسلّم عناية. ويوم مات الأستاذان الحبيبان عبد القادر المبارك وعبد الرحمن سلام (١).
أولئك رجال بكيتهم كما بكيت الأستاذ الجندي بدموع قلبي.
وهل تستكثرون عليّ أن أنضح بالدمع قبور رجال هم ملؤوا قلبي بالعاطفة التي ينبع منها الدمع؟ وهم غرسوا فيه دوحة الحب التي من ثمارها الوفاء؟
وهل كان أولادهم الذين خرجوا من أصلابهم أحق ببكائهم مني؟ لقد صرمت في صحبة الشيخ عبد القادر المبارك مدة أطول من كل ما عاشه في الدنيا نصف أبنائه، لقد عرفت من عبد الرحمن سلام ما لم يعرفه أهله وأولاده، لقد كنت لهؤلاء أكثر من تلميذ، بل (ودعوني أقلها) لقد كنت لهم أكثر من ولد.
التلميذ تلميذ ما دام المعلم على منبره، فإن نزل المعلم عن المنبر وخرج التلميذ من المدرسة سار كل في طريق، فلم يعد بينهما إلا ذكرى أيام مرت ولن تعود. والولد يرى في أبيه العبقري مظاهر إنسانيته التي يشترك فيها الناس جميعاً، فتختلط بمظاهر العبقرية التي يمتاز بها عن الناس جميعاً، ومن هنا قالوا: أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، والمريد لا يرى منه إلا الجانب
(١) لكل هؤلاء أخبار في «ذكريات علي الطنطاوي» تستحق أن تُقرأ، أكثرها في الجزء الأول (الحلقات ١٣ - ١٦) والثاني (الحلقات ٥٢ - ٥٥) ومواضع أخرى متفرقة كثيرة (مجاهد).