دمشق، وهناك عرفنا الأستاذ سليم مدرّساً وقعدنا بين يديه تلاميذ.
ولكن هل أقفز قفزاً إلى حديث الأستاذ؟ ألا أحدثكم عمن علَّمنا قبله؟ عن سلفه الشيخ عبد الرحمن سلام؟ وعن الشيخ عبد القادر المبارك؟ أيقف شعراء العرب على حفرة طمستها الرياح وحجارة سوَّدتها النار ويبكون على آثار الخيام، ولا أقف عند ذكرى الرجلين اللذين لولاهما ولولا الجندي ما عرفت، ولا عرف العطار والمبارك والمحاسني والكرمي والأفغاني والجيرودي وسلطان وجمال الفرا ووجيه السمان، كيف يكون تأليف الكلام؟
امنحوني دقائق أحيي فيها مَن منح هذه العربية حياته كلها، ومن أعطى الشام هؤلاء الذين تعتز بهم من شعراء وخطباء وكتّاب.
لما دخلنا مكتب عنبر -يا سادة- وجدنا في درس العربية مفاجأتين: رجلين من نوادر الرجال. ولقد قلت مرة إن الرجل المهذب الاجتماعي كالنسخة المطبوعة من الكتاب، منها آلاف وآلاف، أما أمثال المبارك وسلام فكالنسخ المخطوطة؛ قد يكون فيها خرم أو غموض ولكنها أثمن من كل مطبوع لأنها مفردة ليس لها نظير.
أما الشيخ عبد الرحمن سلام فما رأيت (وما أظن أنني سأرى) من هو أطلق منه لساناً وأحلى بياناً؛ لقد كان عجباً من العجب، إذا احتاج أن يتكلم في موضوع لم يكن عليه إلاّ أن يفتح فمه ويحرك لسانه، فإذا المعاني في ذهنه، والألفاظ على شفتيه، والسحر من حوله، والأنظار متعلقة به، والأسماع ملقاة إليه، والقلوب مربوطة بحركة يديه! وكان يرتجل الشعر كما يرتجل الخطب، وكان يرمي