المصرية وعلماء الجامع الأزهر والأدباء والكتاب، وأنا أؤكد لكم القول أني لم أجد فيهم من يفوق -في حفظه وضبطه وأمانته وملكته- الأستاذَ الجندي.
وكشفت فيه -يوماً- بحرَ علم آخر لم أكن أعرفه من قبل؛ سألته عن مسألة من الدين فإذا هو فقيه أصولي يروي الحديث ويعرف المقالات. ومن هنا، من هنا يا سادة، جاء حفاظه على اللغة ومعرفته بقدرها وغيرته عليها. لقد كتبت مرة أن إنكليزي القرن العشرين يقرأ أدب إنكليز القرن السادس عشر فلا يفهمه إلاّ بترجمان، ونحن نقرأ شعراً عربياً من ألف وأربعمئة سنة فنفهمه كما نفهم شعر شعرائنا اليوم!
فمن أين للعربية هذه المزية؟ وكيف ثبتت العربية برغم النكبات الثقال التي مرت بها؟ كيف عجزت الدول التركية والفارسية التي تعاقبت على بلاد العرب من أيام الواثق عن أن تقضي عليها؟ بل كيف استطاعت هي أن تقضي على عجمتهم وتدخلهم تحت لوائها؟ وما هو السر في قوة العربية وثباتها؟
إن السر في هذا الحصن المتين الذي حصّنها الله به: القرآن يا سادة، القرآن.
وهذا هو سبب نبوغ الجندي، حتى كان إمام العربية وهو ابن عصر حاول الأتراك أن «يترِّكوا» فيه كل عربي. السبب معرفةُ الجندي أن «العربية لغة القرآن»، وأن من أراد أن يكون إماماً فيها فليكن خادماً للقرآن. ولست أنا الذي يقول عنه هذا، بل لقد قاله هو بلسانه؛ قال في العدد الأول من مجلة الرابطة الأدبية،