للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وله قلب من الذهب، ولكنه لم يكن من بابَةِ الجندي. إن الذهب ذهب، ولكن إن قابلته بالجوهرة المفردة وارى بريقَه حياءً.

وأحببت الأستاذ الجندي حب الولد أباه وعرفت قدره، فكنت لا أكفّ عن سؤاله، أسأله في الصف وألحقه في الفرصة وأدخل معه غرفة المدرّسين، أشرب من معين علمه ولا أرتوي، أتزود من هذا المنهل العذب لسفري الطويل في صحراء الحياة، أسأله عن الغريب فلا تغيب عنه كلمة منه، كأنه قد وعى المعاجم وغيّبها في صدره، وأسأله عن التصريف والاشتقاق فيجيب على البديهة ما يُعيي العلماءَ جوابُه بعد البحث والتنقيب، وأسأله عن النحو فإذا هو إمامه وحجته، وألقي عليه بالبيت اليتيم وجدته في كتاب فإذا هو ينشد القصيدة التي ينمى إليها ويعرف بالشاعر الذي قالها.

لقد كان مدرّساً للعربية، ولكنه كان أكثر من مدرس. وكان عالماً من علماء البلد، ولكنه كان أكثر من عالم، ورُبّ مدرّس لا يكون عالِماً، وربّ عالم لا يكون عالماً إلاّ في بلده وبين أقرانه، وربّ عالم لا يكون عالماً إلاّ بالنسبة إلى عصره وزمانه. أما الجندي فقد كان أعلمَ علماء العربية في هذا العصر، وكان واحداً من أعلام العربية الأولين، ولكنه ضل طريقه في بيداء الزمان فجاء في القرن الرابع عشر الهجري لا في القرن الرابع!

أقرر هذا بعدما مشيت في البلاد وجالست العلماء، فما ثَمّ عالم مشهور في العربية في مصر والشام والعراق والحجاز والهند والملايو وأندونيسيا إلاّ عرفته. عرفت في مصر علماء الجامعة

<<  <   >  >>