للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حتى امتحنني بشيء أكتبه له زعم أن المطبعة تحتاج إليه فليس يصح تأخيره، فأنشأته له إنشاء من يسابق قلمه فكره، فازداد عجبه مني ووعدني بنشر المقال غداة الغد، فخرجت من حضرته وأنا أتلمس جانبَيّ أنظر هل نبتت لي أجنحة أطير بها لفرط ما استخفني السرور. ولو أني بويعت بإمارة المؤمنين ما فرحت أكثر من فرحي بهذا الوعد. وسرت بين الناس وكأني أمشي فوق رؤوسهم تعالياً وزهواً. وما أحسبني نمت تلك الليلة ساعة، بل لبثت أتقلب على الفراش أتصور أيَّ جنة من جنات عدن سوف أدخل في غداة الغد ... أيَّ كنز سأجد. وجعلت أترقب الصباح ولا ترقب عاشق متيم ينتظر وصلاً بعد طول الهجران، حتى إذا انبثق الصبح وأضحى النهار أخذت الجريدة، فإذا فيها المقال وبين يديه كلمة ثناء لو قيلت للجاحظ لرآها كبيرة عليه!

* * *

وعدت أنظر إلى الجريدة القديمة الصفراء وهي ماثلة بين أوراقي، وأفكر في هذا الأدب ماذا جني عليّ وماذا جنيت منه. لقد سرت بعد تلك المقالة أعدو في طريق النشر، فكتبت في جرائد الشام ووفدت على خالي الأستاذ محب الدين الخطيب في مصر، فأخذ بيدي وسدد خطواتي وكان لي أفضل مرشد ومعين، وأفدت من خلقه ومن علمه ومن ماله. ثم عدت إلى دمشق، ثم اتصلت بالرسالة، صديقة روحي وسميرة وحدتي، وكانت لي خير مدرسة، فيها الأستاذ الزيات خير مدرس.

وكنت إذا نظرت في كتاب، أو أصغيت إلى حديث، أو ضمني مجلس، أو شملتني عزلة، أو اضطجعت لأنام، أو نهضت

<<  <   >  >>