للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله- لأدفع عن نفسي الملل وما يصيبها من الألم إذا أنا لم أكتب، فكأنني أعمل بالغريزة التي تدفع النحل إلى اتخاذ العسل والعقارب إلى نفث السم وكل حي من الحيوان إلى ما سُخِّر له من نفع أو ضرر! ولا أعلم أأحسن أم أسيء، ومتى يكون الإحسان وكيف يجيء، وكل ما أعلم أن فكرة تخطر على بالي تأتي بها نظرة أو سمعة، فتنمو فيها حتى تملأ ذهني وتسيطر عليّ فلا أملك عن تدوينها تأخراً؛ فآخذ القلم فإذا هي تجر وراءها أخوات لها، وإذا أنا أمضي في الكتابة لا أكف حتى يكون القلم هو الذي يقف، ثم أبعث بذلك إلى المجلة أو الجريدة، فإذا أبطأت بنشره أو أهملته سخطت وثرت، وإن نشرته فرحتُ به وقرأته مستمتعاً، فإذا مضى عليه يوم عدت إليه فرأيت عيوبه، فقلت: ليتني نقصت من هنا وزدت من هناك وحذفت هذا أو أثبتّ ذاك ... ثم لا يمنعني ذلك أن أعود إلى خلتي من الإسراع كَرّة أخرى. ولقد حاولت التنقيح والصناعة مرة فأفسدت من حيث توهمت الإصلاح، فعدت إلى طبعي. فإذا كان في الناس من يعجبه ما أكتبه فالحمد لله.

وما سكتّ لقلة في الموضوعات، ولكن لجفاف في القريحة. ولو كان بي أن أكتب لوجدت في كل شيء موضوعاً لفصل، غير أنه لا بد من العاطفة والفن، ولو كان الأدب الواقعي أن تسرد كل ما «وقع» لك لكان الناس كلهم أدباء، ولكن الأدب الواقعي أن تأتي بالصورة الجميلة، قد صقلها الطبع وبَرقَشها الخيال وزانتها العبارة الصحيحة والسبك الدقيق، لكنك لا تخرج فيها عما «يمكن أن يقع».

ولو أسعدتني القريحة لكتبت في وصف هذا الفتى الذي

<<  <   >  >>