إلى القبلة (١)، أفتش عن دار أستعيض بها عن داري (في الجادة الخامسة)، لأن حماقة صاحبها كرهت إليّ جمال مستشرَفها وطيب موقعها ... وأن أعصابي في ثورة دائمة عفتُ معها الحياة، من صبية عشرة (أحياهم الله لأبوَيهم) يسكنون الطبقة التي تحتنا، لا يهدؤون لحظة ولا يسكنون ولا يفترون عن بكاء أو صياح أو غناء أو قرع باب أو كسر شبّاك ... وقلبي يخفق وأعصابي تتمزق ولا أنتفع من نفسي بشيء، وإن شكوت إلى أحد سخر مني وضحك عليّ! فليتصور القراء مبلغ ما أجد من الضيق والأذى، فيا ليت أني لم أُعطَ ملكة الكتابة، أو ليتني -إذ أُعطيتها- عرفت كيف أستفيد منها، فما شيء أصعب على الرجل من أن يريد ولا يقدر أو يقدر ولا يريد.
وليثق القرّاء أن يوماً يمرّ عليّ لا أكتب فيه شيئاً أو أعد في نفسي شيئاً لأكتبه لهو يوم بؤس عليّ لا يوم نعيم، وأن أول ما أفكر فيه -إذا سرني أمر أو ساءني، أو أعجبني أو راعني- كيف أصوره وأعرض على الناس صورته كي أنقل إليهم شعوري وأقاسمهم عواطفي؛ لا أفعل ذلك للشهرة والمجد الأدبي، ولا للنفع ولا للضرر، فقد بلغت من الشهرة ما يصح الوقوف عليه لو كانت الشهرة أكبر همي، ولكني رغبت عنها لأني وجدت ما نلت منها لم يُنلني خيراً قط. ثم إنه ليس بين الرجل وبين أن يشتهر في بلادنا بصفة الأدب إلاّ أن يكتب فصلاً أو فصلين، فإذا هو ومَن ملأ الأسماع أدباً حقاً وبلاغة باقية سواء! ولكني أكتب -علم