فما هذا طريق السعادة. إن الطريق على الأرض مسدود، والفضاء من حولك له حدود، وما طريق الفضاء وسبيل الانطلاق إلا من «فوق»، هناك عالم النفس، تنشط النفس كلما برقت لها منه بارقة أو لاح علم، كلما سمعت نغمة سحرية فيها رنّة من ذلك العالم أو قرأت قصة عبقرية فيها إشارة إلى ذلك المجهول، أو وعت موعظة علوية فيها قطرة من ذلك الينبوع.
الآن عرفت، فيا ضيعة هذه السنين الأربعين!
* * *
لا تقولوا: إنك تكتب في الدين وفي الفضيلة وإنك تدعو إلى الخير، لأني عزمت على أن أقول الليلة الحق ولو كان على نفسي.
الحق -يا سادة- أن الدعاة اليوم إلى الله (لا أستثني واحداً ممن أعرف منهم) كلهم ممثلون؛ يلبسون في المجلة أو على المنبر ثياب المسرح فيبدون بالجبة والعمامة، فإذا انقضى «الفصل» خلعوها وعادوا إلى بيوتهم، فعكف عابد الدينار منهم على معبوده ما له إلاّ جمع المال همّ، وعابد الشهوة عليها، وعابد الجاه، وعابد المنصب ... تعددت الأصنام والشرك واحد!
إنهم ممثلون وأنا أول الممثلين. ولو كنت صادقاً لما ألّفت في سيرة أبي بكر وعمر ثم عدلت عن سنتهما وسرت غير سيرتهما،
(١) جمع مليونير. و «المؤلِّفون» أردت بها أصحاب الآلاف.