عليكم؟ ألم أفتح لكم قلبي حتى اطمأننتم إليّ وأنِستم بي وخرقتم حجاب الخوف الذي كان بيني وبينكم، كما يكون بين كل معلم وتلاميذه، وغدوتم تدعونني لأشارككم في ألعابكم، وتقصون عليّ أخباركم وتبثونني أحزانكم، وتنبئونني بأسراركم وتشكون إليّ ما يصيبكم من آبائكم وأهليكم؟ فأي صلة بين الآباء والأبناء أوثق من هذه الصلة، وأي سبب أقوى من هذا السبب؟
أنتم أولادي. فهل رأيتم أباً يودِّع أولاده الوداع الأخير ثم يملك نفسه أن تسيل من عينيه؟ لقد شغلتم نفسي زماناً وأخذتم عليّ مسالكي في الحياة، فلا أرى غيركم ولا أفكر إلاّ فيكم، وأقنع بصداقتكم هذه الخالصة المتعِبة المرهِقة عن الصداقة الكاذبة والود المدخول.
فكيف أقدِر أن أملك نفسي وأنا أقوم بينكم لألقي عليكم كلماتي الأخيرة، ثم أمضي لطيّتي لا أدري أأراكم بعد اليوم أم لا أراكم بعد أبداً؟
أما أنتم فاملكوا أنفسكم! لا تحزنوا ولا تأسفوا ولا تبكوا لأني علّمتكم كيف تكونون في طفولتكم أكثر منا في شبابنا رجولة وصبراً، ونشّأتكم على القوة التي فقدناها والبعد عن العاطفة التي رُبّينا عليها، وإنكار الألم الذي لا نزال نهرب منه، والمغامرة التي نكرهها ونجهلها لأرى صبركم في مثل هذا اليوم.
إنكم الآن تجتمعون حولي، ولكنكم ستتفرقون في المستقبل وستُنثرون على درجات السلم الاجتماعي نثراً، وسيكون منكم الغني والفقير، والكبير والصغير، والتاجر والصانع، والموظف