مستقر على عواتقنا، فجعلتكم أعزة أحراراً، تدافعون عن حقكم وتطالبون بما لكم، ولكن بأدب واحترام واتباع لقوانين المجتمع وأنظمة المدرسة.
* * *
أتذكرون يوم جئتكم كيف كان أكثركم يأتي إلى المدرسة بادية أفخاذه مرجَّلاً شعره، في جيبه مشطه ومرآته وكمّتُه (بيريه) على رأسه، تفخرون برقتكم وتعتزون بجمالكم وتتخلعون في مشيتكم، ولا تجدون من معلميكم إلاّ إقرار ما تفعلون واستحسان ما تأتون، لا تربطكم بالإسلام إلاّ رابطة الاسم ولا بالعروبة إلاّ صلة الجنسية، ولا تعرفون من تاريخكم ما تعرفون من تاريخ الحثيّين والآراميّين الذي قرأتموه مفصّلاً قبل أن تدرسوا سيرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وقبل أن تعلموا من هو أبو بكر، وقبل أن تسمعوا باسم معاوية! فعلّمتكم أن فخر الرجل بقوته وعلمه، واعتزازه بدينه ولغته. فاشتدت أعصابكم وقويت نفوسكم وتنبهت عزائمكم، وصرتم تمشون كالأسود وتلعبون كالعفاريت، وتطالعون كالعلماء وتفكرون كالفلاسفة وتراقبون الله كالصديقين، وصرتم وأنتم في هذه السن تهيئون محاضرة في عشرين صفحة عن عمرو بن العاص أو عبد الملك أو عبد الرحمن الناصر، وسمعتم أن في الدنيا علوماً إسلامية، واستقر في نفوسكم أن هذه العلوم وهذه الحضارة وهذا المجد لا بد لها من بعث كالبعث الأوربي (الرينسانس).
ولكنكم لا تستطيعون -يا أولادي- أن تفهموا التضحية التي قدمتها من أجلكم؛ لأنكم لم تعرفوا قبلي هذا الطراز من المعلمين،