فحسبي أن أخبركم أنني أشتغل بالأدب. أعني أن لي نفساً تشعر وتحِسّ، وتَالَم وتسرّ، وتغضب وترضى، وتثور وتهدأ، وتأمل وتقنط، وأن لي غاية في الحياة أكبر من هذه الوظيفة، وأنني أهتم بأشياء غير صفّارة المناوب وعصا التأديب وحفظ النكات الباردة لتقطيع الوقت بها، ولف رجل على رجل في عظمة جوفاء لانتظار الدرس ...
ذلك أنني أغدو إلى المدرسة كل يوم وفي نفسي عشرات من الصور والأفكار أبني منها هياكل فخمة لآثاري الأدبية القيمة التي لم أكتب منها شيئاً بعد، فإذا بلغت المدرسة ونشقت هذا الهواء المليء بجراثيم البلادة والخمول طار من رأسي كل شيء، وأحسست أني غدوت -حقيقة- معلماً أولياً!
أجل! لقد ضحيت من أجلكم بفكري ونفسي ... فخسرتهما من أجلكم، وهأنذا أخسركم أنتم أيضاً.
إنكم لا تعلمون أيّ فراغ سيدع في نفسي فراقكم، وتحسبون معلّمكم واحداً من هؤلاء البشر الآليين الذين يذهبون ويجيئون ويعملون ويتركون، ولكن بلا قلوب، فسأقص عليكم قصة وقعت لي منذ أسبوع:
كان اليوم عطلة، وكنت أرقبه من زمن بعيد لأستريح فيه من هذا العناء الذي هدّني هدّاً وطمس بصيرتي وبلغ بي إلى الحضيض الفكري. فلما أصبحت عمدت إلى المطالعة فلم أفهم شيئاً، ووجدت شيئاً يدفعني إلى الخروج، فارتديت ثيابي وأنا لا أدري أين أقصد، فإذا أنا أمشي في الطرقات التي أمشي فيها كل يوم،