كانت. ستعيش حتى تصير في مثل عمر «المقتطف»، وليست المقتطف (مدّ الله في عمرها) بأحق منها بالخلود.
ولقد كان للرسالة فضل على اللغة، وفضل على الأدب، وفضل على الأخلاق، وكان لها عمل كبير في إحياء روح الدين في دنيا الإسلام. ولقد أخرجت للناس كتّاباً وشعراء وكانت مدرسة للبيان العربي؛ جئناها شباباً فمشينا في رِكاب شيوخ الأدب، وبقينا فيها حتى أوشكنا أن نُعَدّ في الشيوخ، وهل بعد خمس وأربعين شباب؟
لقد ولّى الشباب وذبلت زهرة العمر وجاءت الكهولة، إن نسيتها ذكّرتني بها كل جارحة من جوارحي وكل عضو من أعضائي؛ إن أثقلت الطعام قالت المعدة: حاذر، إنك لم تعد شاباً. وإن مارست ما كنت أمارس من الرياضة قال القلب: قف، إنك لست بشاب. وإن تعرضت للبرد قالت المفاصل: تنبه، لقد فارقت عهد الشباب! وإن تطلعت إلى الحب أو ابتسمت للجمال، قال الفؤاد المَلول السّامان ... ويا ما أشد ما يقول الفؤاد السأمان الملول! وإن اشتعلت في الأعصاب نيران الحماسة وأخذت (ذلك) القلم الذي كنت أكتب به في الأيام الخوالي، تراءت لي هموم الأسرة فأطفأت نار الحماسة في أعصابي.
كنت وحيداً خفيفاً وكان لي جناحان من أحلامي وأماني، فأثقل ظهري بناتي الأربع وأمهن وعماتهن وعمة أبيهن، واصطدم جناحايَ بأرض الواقع، وتبيّنتُ ضلال الأحلام وكذب الأماني، فتحطم الجناحان، فكيف يطير بغير جناحين مَن يحمل همَّ ثماني نساء؟