ويرى الموظفُ الصغيرُ الوزيرَ أو الأميرَ ينزل من سيارته فيقف له الجندي وينحني له الناس، فيظن أنه يجد في الرياسة أو الوِزارة مثل ما يتوهم هو من لذتها ومتعتها لحرمانه منها، ما يدري أن الوزير يتعوّد الوزارة حتى تصير في عينه كوظيفة الكاتب الصغير في عين صاحبها. أوهام ... ولكننا تتعلق دائماً بهذه الأوهام!
* * *
وفكرت فيما نلت في هذه الدنيا من لذائذ وما حملت من عناء طالما صبرت النفس على إتيان الطاعة واجتناب المعصية، رأيت الحرام الجميل فكففت النفس عنه على رغبتها فيه، ورأيت الواجب الثقيل فحملت النفس عليه على نفورها منه، وطالما غلبتني النفس فارتكبت المحرمات وقعدت عن الواجبات، تألمت واستمتعت، فما الذي بقي من هذه المتعة وهذا الألم؟ لا شيء. لقد ذهبت المتعة وبقي عقابها وذهب الألم وبقي ثوابه.
ولم أرَ أضلَّ في نفسه ولا أغشَّ للناس ممّن يقول لك: لا تنظر إلاّ إلى الساعة التي أنت فيها، فإن:
ما مضى فاتَ والمؤمَّل غيبٌ ... ولكَ السّاعةُ التي أنت فيها
لا والله؛ ما فات ما مضى ولكن كُتب لك أو عليك، أحصاه الله ونسوه. والآتي غيب ولكنه غيب كالمشاهَد. وما مَثَل هذا القائل إلاّ كمَثَل راكب سفينة أشرفت على الغرق ولم يبقَ لها إلاّ ساعات، فما أسرع إلى زوارق النجاة إسراع العقلاء ولا ابتغى طوق النجاة كما يبتغيه من فاته الزورق، ولكنه عكف على تحسين غرفته في