لي (فلقة) حامية؛ ذلك أني ذهبت إلى المدرسة أحدّث التلاميذَ أن في دارنا ضوءاً يشعل بلا كبريت وينطفئ بلا نفخ، ووصفته لهم، فعارضني أحدهم وكذّبني، فشتمته فشتمني، فضربته، فحكم عليّ الأستاذ بفلقة لا أزال أذكر طعمها!
ويمرض الأولاد اليوم فيجدون الطبيب الحاضر والدواء الموجود، المسهل قطعة شُكلاطة أو كأس (ليموناضة) والعلاج حبة صغيرة أو جرعة لذيذة، ونحن كنا نمرض فلا يكون الدواء إلاّ الحقنة والسنامكّي وزيت الخَرْوَع، ولا يأتي الطبيب إلاّ إذا أتى الخطر، وما كان للطبيب كبير أثر، لأن نصف الطب الذي نستمتع به اليوم وثلاثة أرباع الأدوية التي نشفى بها إنما عُرفت بعد التاريخ الذي كنا فيه أطفالاً، فكانت طفولتنا محرومة من الوقاية ومن العلاج.
وأنتم تعيشون في دمشق الجديدة ذات الشوارع الفِساح والحدائق الكثيرة، وعندكم في المدرسة السينمات والمسليات وعندكم في الصيف المصايف والجبال، ونحن كنا نعيش في تلك الأزقّة الضيقة، نخوض الشتاء في الوحل، ما كان في دمشق شارع واحد، وأول شارع شُقَّ فيها (شارع جمال باشا) شُقّ أمامنا، وما كنا نعرف من المصايف إلا أياماً نقضيها في بيوت الفلاحين في الجُدَيدة وبَسّيمة، وقلَّ مَن يذهب إليهما. أما السينمات فأنا أحلف أني حملت البكالوريا وذهبت إلى مصر للدراسة العالية سنة ١٩٢٨ وما عرفت ما هي السينما.