أستعيد ما زهق من روحي وأتنشق الهواء النقي بعد أن لبثت ساعة أتنشق زمهرير جهنم. ولولا هذا، ولولا كأس من شراب الليمون أمر لي بها صديقنا الشاعر، لمتُّ لا محالة.
صحوت فرحت أتمثل بقول الأول:
فألقَتْ عصاها واستقرّ بها النَّوى كما قرَّ عيناً بالإيابِ المُسافرُ
وإذا بالشاعر يصيح بي: أيُّ عين هذه؟ سخنت عينك! لقد قطعتَ شق الطريق السهل وبقي شقه الصعب!
فصحت: ولكني لا أقطعه في سيارة ... لا أقطعه في سيارة. أفهمت؟ أبداً، أبداً ... لا أركب السيارة.
فقال: أَرْبِع عليك وهوِّنْ على نفسك؛ إنك ستقطعه راكباً على جحش أو بغل.
فقلت: الحمد لله؛ والله لَلْحمارُ خيرٌ من هذه السيارة!
وأسرع الأستاذ إلى الهاتف فهتف بأهل حلبون أن ابعثوا إلينا ثلاث دواب؛ للأستاذ ولضيفيه. واقترب الشاعر من الهاتف، فقال: ولتكن خيولاً عربية كريمة مطهّمة حسنة السروج، والوحَى الوحَى ... السرعةَ السرعةَ ... العَجَلَ العَجَلَ (١).
ولكنهم أغلقوا في وجهه الطريق لأنهم حسبوا ما يقول من رُقى الجن، فغضب وصاح: ألو، ألو، ألو يا أولاد الكلب يا حمقى، ألو ...
(١) كلمات تقال في الاستعجال، كلها بمعنى واحد (مجاهد).