واستقرّ في ذهني -من يومئذ- أني وُلدت وأنا في الرابعة من عمري!
-٢ -
وصرت أرى هذا الطفل دائماً؛ أبصر صورته في المرآة وأسمع صوته بأذني، وأصغي إلى حديث أمي عنه بشغف وسرور، فكنت أشعر بميل غريب إليه، حتى إني لأعترف الآن بأنه كان أحب إليّ من أمي، التي لم أكن أعدل بها أحداً ولا أقبل كنوز الأرض بدلاً من امتصاص ثديها والنوم على صدرها.
ذلك الطفل الباسم، ذو العينين السوداوين والشعر ... يا للأسف! إني لا أستطيع أن أتخيل شعره. لقد مُحيت صورته من ذاكرتي، لقد اختفى من الدنيا منذ ربع قرن، لقد ذهب إلى حيث لا أدري. فهل كنت أنا ذلك الطفل؟ هل تجيء يده الصغيرة الغضة في يدي الخشنة التي أخط بها هذا المقال؟ فأين ذهب إذن؟ ومن أين جئت أنا؟ ... إنني لست ذلك الطفل ولست غيره ... فكيف يعقل هذا؟
هذا يحيرني دائماً ولا أعرف له حلاً، بل إن مجرد التفكير فيه يدفعني إلى الجنون.
-٣ -
ونظرت يوماً من الأيام، فإذا في مكان ذلك الطفل اللاهي اللاعب، العابث بكل شيء، الذي يحطم كل ما يصل إليه،