للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتَسَّاقط الأسوار، وتُفتح لهم أبواب المجد حتى فتحوا به الدنيا، هذا النشيد الذي كان من بشائر الرجاء أن اتخذه جنود الإسلام اليوم شعاراً لهم ليصلوا به ما كان انقطع من قِلادة أمجادنا التي طوّقنا بها عنقَ الزمان، ولينشروه مرة ثانية في آفاق الأرض، فتردده معهم الجبال والأودية والمدن والقرى.

دخلت فوجدت في المسجد متعة لم أجد مثلها في لهو كنت أتخذه أو متعة كنت أسرّ بها، وجدت -ولم أكن أدري- متعة الدين والدنيا إذا اجتمعا: الكثرة والألفة، والثياب البراقة والنظافة والنظام، والتقى والإخلاص، والغنى السمح الشاكر والفقر المتجمل الصابر، والمعاونة على الخير، والمواساة والإيثار ... وكان في المسجد نساء قد اجتمعن في «المشهد» (١) بالأُزُر البيض والمِلاءات الساترة، ما يظهر منهنّ عين ولا بنان ولا ساق، قد جئن للصلاة.

كذلك كان بلدنا قبل أن تبلغه هذه «الحضارة» الجديدة، كذلك كان يوم كان أهله متأخرين جامدين، فيا ليته يعود كما كان، يا ليتنا بقينا متأخرين عن هوّة الفساد لم نَقْدم عليها، جامدين لم نعرف هذا المَيْع. إن الجامد يتماسك ويثبت، أما المائع فيسيل ويجري حتى ينصب في البَلُّوعة (٢) ... أفعرفتم الآن مصيركم يا أيها «المائعون»؟!


(١) المشهد في الأموي اسم لحرم صغير فيه جانبيّ، وفي المسجد أربعة مشاهد في أحدها رأس الحسين، هو فيه لا في مصر، والله أعلم.
(٢) البلّوعة والبالوعة من العامي الفصيح.

<<  <   >  >>