قيل: هذا لا ينضبط أيضًا، ولا يمكن تقدير الزمان الذي يصل فيه أثر التحريك، وكما أن الحركة متفاوتة، فالنجاسة أيضًا متفاوتة، فالنجاسة الكثيرة تصل إلى ما لا تصل إليه القليلة.
قالوا: والماء إذا لم يظهر أثر الخبث فيه فوصف الطيب باق عليه؛ فإذا لم يظهر للنجاسة أثر دل على استحالتها إلى طبع الماء، فطهرت بالاستحالة كما تطهر الخمر إذا استحالت [خلاً]، [و] الأرض إذا أصابتها نجاسة واستحالت إلى طبع التراب وذهب أثرها، وكذلك العذرة إذا صارت رمادًا أو ملحًا على الصحيح.
والذين فرقوا بينهما فقالوا: الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة، بخلاف البول والدم. ضعف فرقهم بأن جميع النجاسات إنما نجست أيضًا بالاستحالة؛ فإن البول والدم مستحيل عن أعيان طاهرة، وكذلك العذرة وغيرها.
فالله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبث، كما أنه أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب؛ فإذا زال وصف الخبث بالاستحالة خلص وصف الطيب، كما أنه إذا زال وصف الطيب بالاستحالة خلص وصف الخبث، كالبيضة إذا حال مخها دمًا، والعصير إذا صار خمرًا، والدم