إن الإنسان الذي لا يؤمن إلا بما تدركه حواسه، مباشرة أو بالآلات التي يصنعها، لا فرق بينه وبين الحيوان إلا بسعة أفقه، لما ركبه الله فيه من عقل وتصرف بأدوات تعينه على ذلك. وسعة أفقه هذه التي فرقت بينه وبين الحيوان، هي التي أهلته لمعرفة ما ظهر له من الكون القريب.
والذي لا يؤمن بالغيب لا يمكن أن يعبد الله، لأن الله تعالى من الغيب، ولا يعرف تعالى إلا بآثار خلقه المشهودة ووحيه.
والذي لا يؤمن بالغيب لا يمكن أن يؤمن بالوحي الإلهي والكتب المنزلة والرسالة، ولا باليوم الآخر، ولا بالملائكة المقربين؛ لأن ذلك كله من الغيب.
وعدم الإيمان بالغيب يفضي إلى تسيب الإنسان وعدم التزامه بمنهج الله، واتباعه لهواه، فيتصرف في حياته كما يشاء لا يرده عن هواه إلا القوة المادية القاهرة، فإذا ظن أن تلك القوة -كالشرطة والقضاء والعقوبات الرادعة- لا تناله أتى على كل ما يقدر عليه دون مراعاة لحقوق غيره، لأنه لا يؤمن بالله حتى يطمع في ثوابه ويخاف من عقابه، وهكذا يدمر ويفسد ولا يبالي شيئا.