الوجه الثاني: أن الذين نزلت فيهم الآية لم يستطيعوا أن يسيطروا على أكثر من مسجد واحد - وكان ذلك بمؤامرة خفية - لم تدم لهم طويلا. أما الذين اتخذوا المساجد منطلقات للباطل في هذا الزمان، فقد استطاعوا أن يسيطروا على غالب مساجد المسلمين، وبخاصة المساجد الكبيرة ذات الشأن في البلدان الإسلامية، لأنهم هم قادة المسلمين وحكامهم، وسيطرتهم عليها مبنية على حق مشروع بقوانين وأنظمة وأجهزة صنعوها لأنفسهم، بحيث تعد تصرفاتهم في تلك المساجد مشروعة وهي الأصل، حسب تلك القوانين والأنظمة، وتعد تصرفات غيرهم فيها - ولو كانت هي الشرعية في الحقيقة - خارجة عن القانون والنظام، يستحق أصحابها العقاب والمساءلة. وبهذا أصبحت مساجد المسلمين - في الغالب - ينطبق عليها قول الشاعر:
حرام على بلابله الدوح ... حلال للطير من كل جنس
(١)
اتقوا الله ما استطعتم.
(١) ذكرت هنا مثالا واحدا لاتخاذ أهل الباطل منطلقات الحق منطلقات لباطلهم، وهي: المساجد، وهناك منطلقات كثيرة للحق يتخذها أهل الباطل منطلقات لباطلهم، كالقرآن الكريم (أساس جميع منطلقات الحق) الذي يحرفه أعداء الإسلام من المستشرقين والمنصرين، أو علماء السوء الذين اتبعوا علماء أهل الكتاب في اشترائهم بآيات الله ثمنا قليلا.... وقد يكون تحريفه عن طريق تفسير ألفاظه بغير معانيها المرادة، أو عن طريق ترجمته. وكذا سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي يعمد أهل الباطل إلى الطعن فيما صح منها، أو تحريف معناه، وإلى اختلاق أخبار كاذبة وإسنادها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن الله تعالى هيأ لحفظ كتابه وسنة رسوله من يذب عنهما، ويرمي بشهب الحق كل باطل حاول أهله إيصاله إلى عقول الناس بتحريف الوحيين لفظا أو معنى ...