بالمَنْعِ. والظَّاهِرُ أنَّ مُرادَ صاحِبِ «الفُروعِ» بالجَوازِ، إذا كان له حَقٌّ في ذلك، وأرادَ الانْتِفاعَ بعدَ بِنائِه. وقد صرَّح المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، بعد كلامِهما الأوَّلِ، بقَرِيبٍ مِن ذلك؛ فقالا: فإنْ كان على الحائطِ رَسْمُ انْتِفاعٍ، أو وَضْع خَشَب، قال له: إمَّا أنْ تأْخُذَ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِه، أو تُمَكِّنَنِي مِن انْتِفاعِي، وإمَّا أنْ تقلَعَ حائِطَك لنُعِيدَ البِناءَ بينَنا. فيَلْزَمُ الآخَرَ إجابَتُه؛ لأنَّه لا يمْلِكُ إبْطال رُسومِه وانْتِفاعِه ببِنائِه. انتهيا. وكذا قال غيرُهما.
فائدة: قال في «القاعِدَةِ السَّادسةِ والسَّبْعِين»: فإنْ قيلَ: فعندَكم لا يجوزُ للجارِ مَنْعُ جارِه مِنَ الانْتِفاعِ بوَضْعِ خَشَبِه على جِدارِه، فكيف مَنَعْتُمْ هنا؟ قُلْنا: إنَّما مَنَعْنا هنا مِن عَوْدِ الحق القَديمِ المُتَضَمِّنِ لمِلْكِ الانْتِفاعِ قَهْرًا، سواء كان مُحْتاجًا إليه أو لم يَكُنْ. وأمَّا التَّمْكِينُ مِنَ الوَضْعِ للارْتِفاقِ، فتلك مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وأكثرُ الأصحابِ يَشْتَرِطُون فيها الحاجَةَ أو الضَّرُورَةَ، على ما تقدَّم.
قوله: فإنْ طلَب ذلك -يعْنِي، الشَّرِيكُ الذي لم يَبْنِ، الانْتفِاعَ- خُيِّرَ البانِي بينَ أخْذِ نِصْفِ قِيمَتِه منه، وبينَ أخْذِ آلَتِه. وهذا بلا نِزاع. لكِنْ لو اخْتارَ الأخْذَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يأْخُذُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنائِه. جزَم به في «الوَجيزِ»، و «الحاويَيْن»، و «المُغْنِي»، و «الشَّرْحِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وعنه يَدْفَعُ ما يخُصُّه كغَرامَةٍ؛ لأنَّه نائبُه مَعْنًى. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى».