للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها , ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا , إنّا لا نقول كما قال أصحاب موسى لموسى: اذهب أنت وربّك فقاتلا (إنّا هاهنا قاعدون , بل نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا) (١) إنا معكم مقاتلون (٢) , وقد تقدم هذا المعنى؛ فكان ما أعطي أصحاب موسى - عليه السلام - في مقام الرحمة , وما أعطي أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في مقام الكرامة والنعمة.

فإن قيل: إن موسى - عليه السلام - أعطي العصا لما حضرت السّحرة وألقوا حبالهم وعصيّهم ألقى موسى - عليه السلام - عصاه فتلقفت ما صنعوا واستغاث فرعون بموسى (٣) - عليه السلام - رهبة وفرقاً منها , قيل: فقد أُعطي (٤) محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم من ذلك , وذلك أن أبا جهل بن هشام قال: يا معشر قريش إن محمّداً قد أبى إلا ماترون من عيب ديننا , وشتم آبائنا , وتسفيه أحلامنا , وسبّ آلهتنا , وإني أعاهد الله لأجلسنَّ له بحجر قدر ما أطيق حَمله , فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسَه , فأسلموني (عند ذلك) (٥) أو امنعوني , فليصنع بنو عبد مناف ما بدا لهم , قالوا: لا والله لا نُسْلِمُكَ لشيء أبداً فاصنع ما تريد , فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراً كما وصف وجلس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان يغدو , فقام يصلّي وقد قعدت قريش في أنديتهم [ق ٢٢/ظ] ينتظرون ما أبو جهل صانع , فلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دَنا منه رجع مَبْهوُتاً , مُنتقعاً لونه مَرْهُوباً , قد يبسَتْ يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده

, وقامت (٦) إليه رِجَالاتُ قريش وقالوا: مالك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل به ما قلتُ لكم البارحة , فلما دنوت منه عَرض لي دونه فحل من الإبل , (لا) (٧) والله ما


(١) ما بين القوسين ليس في ب.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١٠/ ١٨٥) , قال الألباني: "وهذا إسناد مرسل صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين". انظر: هامش السلسلة الصحيحة (٩/ ١٢١) ح ٣٣٤١.
(٣) في ب "لموسى".
(٤) في ب "قيل فأعطي" بدون "قد".
(٥) "عند ذلك" ليس في ب.
(٦) في ب "ثم قامت".
(٧) "لا" ليس في ب.

<<  <   >  >>