للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقي (١) ذلك الرجل متحرزاً مدّة حتى أنفذ (٢) الله فيه حكمه بما وَعَد به الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وما أظهروا عداوته إلا لما سَبّ آلهتهم وضلّل آبائهم وسفّه أحلامهم على عبادة غير الله.

فأمَّا محبّة المؤمنين له عليه الصلاة (والبركة) (٣) والسلام فأمر ظاهر لايحتاج إلى برهان , فإنه لما دعى (٤) خواصهم كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما , وعوامَهم - رضي الله عنهم - , وآمنوا به , أمرهم بالهجرة من بلادهم وعن أولادهم وعن قومهم وآبائهم وأمهاتهم وعشائرهم ومساقط رؤوسهم وأوطانهم , هاجر أناس إلى الحبشة وأناس إلى غيرها , وهجروا الأهل والمساكن والعشائر , ولايخفى محبة العرب لعشائرهم وقومهم وشدّة خوفهم إذا بَعُدوا عنهم أو فارقوهم إلى غيرهم , فهاجر من هاجر من مكّة وهي مركز دينهم وموضع شرفهم وعبادتهم التي فخروا بها على جميع الأمم وحسدهم عليها جميع الطوائف فتركوا بها الأهل والأموال , وهاجروا إلى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - رغبةً في الدين ومحبّة له حتى إنهم يوم بدر تكلموا في الأسارى فأشار كل قوم بما عندهم , فقال عمر - رضي الله عنه -: "ما أرى الذي رأوا ولكن تمكننا منهم فنضرب أعناقهم , فتمكن عليّاً من عَقيل فيضرب (٥) عنقه , وتمكّنني من فلان [ق ٢٥/ظ] نسيب لعمر فأضرب عنقه , فإنّ هؤلاء صناديد الكفر وأئمّته" (٦) , وفي صلح الحديبية يقول قائل (٧) الكفّار (٨): والله ما رأيتُ أحداً يعظّم أحداً مايعظّم محمّداً أصحابُه , لقد دخلت على الملوك فما رأيت قومهم يعظّمونهم كما يعظم محمّداً أصحابُه , فإنهم إن تكلم أنصتوا ولا يرفعون أصواتهم عنده

إجلالاً له , وما تنخّم نخامةً إلا وقعت في يد رجل منهم فدلك بها وجهه وجسده؛ ومثل


(١) في ب "ونفى" , وهو تصحيف.
(٢) في ب "أنفذه" بزيادة الهاء , وهو خطأ.
(٣) "والبركة" ليس في ب.
(٤) في ب "ادعى" بزيادة الهمزة , وهو خطأ.
(٥) في ب زيادة "به" بعد "فيضرب".
(٦) أخرجه مسلم (٣/ ١٣٨٣) , بنحوه في كتاب الجهاد والسير , باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم , ح ١٧٦٣.
(٧) في ب "قاتل الله".
(٨) وهو عروة بن مسعود - رضي الله عنه - , والخبر أخرجه البخاري (٣/ ١٩٣) , كتاب الشروط , باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط , ح ٢٧٣١.

<<  <   >  >>