للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا كثير في الصحابة - رضي الله عنهم -؛ فأما الأنصار من أهل المدينة (١) فبايعوه بالأنفس والأموال والأولاد مع ماقيل لهم عند ذلك: إنّ هذا الأمر إن فعلتموه رمَتْكم العرب عن قوس واحدة (٢) , فحملهم حُبُّهم له على معاداة جميع العرب ومحاربة جميع الخلق وقالوا: والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا , فبايعوه وآووه (٣) إلى بيوتهم ونصروه وعزّروه وواسوه له ولأصحابه , ولما أمرهم بالقتال قالوا: والله لو أمرتنا أن نُخيضها البحر لأخضناها كما تقدّم , ولما قال: «لن (٤) يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وأهله وماله» (٥) , فقال عمر: والله إنك لأحبُّ إليّ مِن كلّ شيء إلا نفسي , فقال (له) (٦): «لا حتى أكون أحبّ إليك من نفسك» , فقال: والله لأنتَ الآن أحبّ إليّ من نفسي , فقال: «الآن يا عمر» (٧) , وهذا باب واسع في محبة أصحابه - رضي الله عنهم - (له) (٨) - صلى الله عليه وسلم - , ومحبة المؤمنين بَعْدَهم كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - عمن يأتي بعده حيث قال: «يأتي من بعدي قومٌ يَوَدّ أحدهم لو رآني بأهله وماله» (٩) , فهو كذلك بأبي وأمّي هو - صلى الله عليه وسلم - , فمحمد وموسى صلى الله عليهما وسلم محبّتهما في قلب كل سعيد , وكلما عظمت محبة الله للعبد أعظم محبّته في قلوب عباده , ومحبّة الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم وأكبر ,

فمحبته في قلوب الخلق أعظم , وقد روى ثابت البُناني أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «موسى


(١) في ب "يثرب".
(٢) القائل هو: بحيرة بن فراس القشيري , والخبر أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية (٣/ ١٧٢ - ١٧٣) , بلفظ: "ما أعلم أحدًا من أهل هذه السوق يرجع بشيء أشد من شيء ترجعون به بدء ثم لتنابذوا الناس وترميكم العرب عن قوس واحدة".
(٣) في ب "وأدوه".
(٤) في ب "لو" , وهو خطأ.
(٥) أخرجه مسلم (١/ ٦٧) , كتاب الإيمان , باب وجوب محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة , ح ٤٤ , بلفظ: «لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين».
(٦) "له" ليس في ب.
(٧) أخرجه البخاري (٨/ ١٣٩) , بنحوه في كتاب الإيمان والنذور , باب كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم - , ح ٦٦٣٢.
(٨) "له" ليس في ب.
(٩) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٧٨) , كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها , باب فيمن يود رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهله وماله , ح ٢٨٣٢, بلفظ: «من أشد أمتي لي حباً , ناس يكونون بعدي , يود أحدهم لو رآني بأهله وماله».

<<  <   >  >>