للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شين , وخصّه وجمّله بكل زين , وقد جعل الذين اتبعوه فوق جميع الخلق منزلةً وقدراً إلى يوم القيامة كما أشرنا إليه من حديثه - صلى الله عليه وسلم - (أنه قال) (١): «لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق إلى يوم القيامة ... » الحديث (٢).

فإن قيل: عيسى - عليه السلام - دعا فنزلت المائدة وعليها أنواع من الطعام , قيل: دعاء محمد - صلى الله عليه وسلم - (كان) (٣) أعظم نفعاً وأكثر بركة وأحسن عاقبة , فإن المائدة كان فيها طعام مخصوص لقوم مخصوصين لم يكن عامّاً لجميع المخلوقين مع أن عاقبة نزول المائدة كان شراً على من طلبها من عيسى - عليه السلام - , فإنهم عُوقبوا إذ لم يشكروا ومُسِخوا خنازير إذ عَصَوا وادخروا , فكانت المائدة عقوبة لهم إذ عذّبهم الله تعالى عذاباً لم يعذب به من كان قبلهم , ثم ارتفعت هذا إن صحّ أنّها نزلت (٤) , فأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن أمّته لما شكَوا إليه الجدب واستئخار المطر عن إبّانِ زمانه فقالوا له: ادع اللهَ يُغيثنا وكان يخطب على المنبر يوم الجمعة فرفع يديه ودعا فما نزل حتى جاء المطر وجاش كل ميزاب فلم يزالوا يُمطَرُون إلى الجمعة الأخرى , فقالوا: يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله (تعالى) (٥) يحبسها عنا فدعا فأقلعت وانجابت عن (٦) المدينة انجياب

الثوب وسالَ وادي قناةَ (٧) شهراً ولم يجئ أحد من ناحيةٍ إلا أخبر بالجَوْد (٨) , فدعوة


(١) "أنه قال" ليس في ب.
(٢) تقدم تخريجه , انظر: ٣٦٠.
(٣) "كان" ليس في ب.
(٤) اختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ قال مجاهد: ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه؛ وقال الحسن: وعدهم بالإجابة فلما قال لهم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ} [المائدة: من الآية ١١٥] استعفوا منها، واستغفروا الله وقالوا: لا نريد هذا؛ والذي عليه الجمهور وهو الحق نزولها لقوله تعالى: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة: من الآية ١١٥]. انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٣٦٩) , الكشف والبيان للثعلبي (٤/ ١٢٧).
(٥) "تعالى" ليس في ب.
(٦) في ب "على" , وهو خطأ.
(٧) وادي قناة: هو الوادي الذي يمر بين المدينة وأُحُد أعلاه الخَنَق , والخنق يأخذ سيل الشُّعبة , وسيل الشعبة: هو وادٍ يأتي من شرف نجد من جهات ضريّة , ويأخذ كل مياه أبلى الشمالية , ومياه حرة النقيع الشرقية ويجتمع مع أودية نخل ونجار والنُّخَيل , والشعبة وأخرى عديدة ثم يدفع في الخَنَق , ومنه إلى سد العاقول , ومن العاقول في قناة ثم في الغابة من إضم مجتمعاً مع العقيق وبطحان , وهي أودية المدينة الثلاثة؛ وذكر محمد بن الحسن المخزومي في أخبار المدينة بإسناد له أن أول من سماه وادي قناة تبع اليماني لما قدم يثرب قبل الإسلام. انظر: فتح الباري (٢/ ٥٠٦) , معجم معالم الحجاز (٧/ ١٤٠٥) , د. عاتق البلادي , الطبعة الثانية ١٤٣١ , دار مكة , مكة.
(٨) أخرج البخاري (٢/ ٣٢) , في أبواب الاستسقاء , باب من تمطر حتى يتحادر على لحيته , ح ١٠٣٣ , ومسلم (٢/ ٦١٤) , في كتاب صلاة الاستسقاء , باب الدعاء في الاستسقاء , ح ٨٩٧ , من طريق أنس بن مالك - رضي الله عنه - , قال: "أصابت الناس سنة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر يوم الجمعة قام أعرابي , فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلك المال , وجاع العيال , فادع الله لنا أن يسقينا , قال: فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه وما في السماء قزعة , قال: فثار سحاب أمثال الجبال , ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته , قال: فمطرنا يومنا ذلك , وفي الغد , ومن بعد الغد , والذي يليه إلى الجمعة الأخرى , فقام ذلك الأعرابي -أو رجل غيره- , فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال , فادع الله لنا , فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه , وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» , قال: فما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت , حتى صارت المدينة في مثل الجوبة , حتى سال الوادي وادي قناة شهراً , فلم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود" , واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>