للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إن سليمان - عليه السلام - سُخرت له الرّيح تسير به في بلاد الله تعالى , وكان غدوّها شهراً ورواحها شهراً , قلنا: الذي أعطي محمّد - صلى الله عليه وسلم - أعظم فإنه سار في ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو مسيرة شهر , وعرج به في ملكوت السموات مسيرة خمسين ألف سنة في أقلّ من ثُلث ليلة فدخل السموات سماءً سماءً , ورأى عجائبها , وطيف به في الجنّة , وعرضت عليه النار , وعرضت عليه أعمال أمّته , وصلى بالأنبياء وبملائكة السموات , وخرق من الحُجُب ما لا يعلمه إلا الله , وأراه الله من آياته الكبرى , ثم دنا فتدلى , فكان قاب قوسين أو أدنى , فأوحى إلى عبده ما أوحى , وأعطاه الله تعالى خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش , وعهد إليه أن يظْهر دينه على الأديان كلّها حتى لا يبقى في شرق ولا غرب إلا دينه , أو يؤدّي إلى (١) أهل دينه الجزية عن يد وهم صاغرون , وفرض عليه الصلوات الخمس , ولقي

موسى عليهما الصلاة والسلام , وسأله مراجعة ربه تعالى في التخفيف عن أمّته مراراً؛ هذا كله في بعض ليلةٍ فأيّما أعجب.

فإن قيل: (إنّ) (٢) سليمان سُخرت له الجن وأنها كانت تعتاص عليه حتى يصفّدها كما ذكر الله تعالى: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [ص: ٣٨] , قيل: ما أعطي محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم وذلك أن النّفر التسْعة (٣) الذين هم أشراف الجن وعظماؤهم (٤) [ق ٤١/ظ] الذين وصفهم الله تعالى فقال: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ ... } الآية [الأحقاف: ٢٩]


(١) في ب "إليه" , وهو خطأ.
(٢) "إن" ليس في ب.
(٣) اختلف أهل التأويل في مبلغ عدد النفر الذين قال الله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: من الآية ٢٩] فقال ابن عباس: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وساداتهم , وقال زر بن حبيش: بل كانوا تسعة نفر , أحدهم زوبعة. انظر: تفسير الطبري (٢٢/ ١٣٤ - ١٣٥).
(٤) اختلف أهل التأويل في مبلغ عدد النفر الذين قال الله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: من الآية ٢٩] فقال ابن عباس: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين , وقال زر بن حبيش: بل كانوا تسعة نفر , أحدهم زوبعة. انظر: تفسير الطبري (٢٢/ ١٣٥).

<<  <   >  >>