للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنهم أتوه طائعين راغبين في دينه , معظّمين لشأنه , مصدّقين لرسالته ولما جاء به , مؤمنين بنبوّته , متّبعين لأمْره , مستمدّين منه , ومستمنحين له , سائلين لهم ولدوابّهم الزّاد والعلف , فجعل لهم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديهم أوفر ما يكون لحماً , وكل روثة وبعرة علف لدوابهم , وعند ذلك نهى [النبي] (١) - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يستنجوا بهما وقال: «إنهما طعام إخوانكم الجن» (٢) , فجعل الجن إخوان المسلمين , ثم إن محمّداً - صلى الله عليه وسلم - كان يجتمع بهم ويعلمهم ويتلو عليهم القرآن , فلمّا سمعوه قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢) ... } الآيات [الجن: من الآية ١ - ٧] وأقبلت إليه وفودهم ليلة الجنّ المعروفةَ ألوفاً (٣) مؤلّفة متبايعين له على الصوم والصلاة (٤) والنصح للمسلمين , واعتذروا إليه عن قولهم على الله سبحانه الشّطط , فإنهم كانوا يزعمون أن لله (٥) سبحانه وتعالى ولداً , فسبحان من سخّرهم له وأذل أعناقهم بين يديه , ولقد تمرّد عليه في بعض الأوقات عفريت ليقطع عليه صلاته (قال) (٦): «فأمكنني الله منه فذعَتُّه حتى سال لُعابُه على يدي فذكرت دعوة أخي سليمان فأطلَقتُه ولولا ذاك لأصبح مُوثَقاً يلعب به الوالدان» وقد تقدم ذلك , فهذا الغاية القصوى والدرجة العليا في التمكين والتمكن منهم والتحكّم فيهم حتى يصير العفريت الذي أُعطي من القوّة ما يحمل الجبل فَيَقلِبُه أعلاه أسفلَه , آل حاله معه في الذل إلى


(١) "النبي" زيادة من ب.
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٣٣٢) , كتاب الصلاة , باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن , ح ٤٥٠ , من علقمة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - , بلفظ: "كنا مع رسول الله ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب , فقلنا: استُطير او اغتيل , قال: فبتنا بشرِّ ليلة بات بها قوم , فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء , قال: فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجد , فبتنا بشر ليلة بات بها قوم , فقال: «أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن» , قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد , فقال: لكم كل عظم ذُكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أو ما يكون لحماً وكل بعرة علف لدوابكم , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم».
(٣) في أ "ألوف" بالرفع , ويصح بتقدير محذوف , وما أثبته من ب هو الوجه.
(٤) في ب "الصلاة والصوم" بتقديم وتأخير.
(٥) في ب لفظ "الله" الاسم , وهو خطأ.
(٦) "قال" ليس في ب.

<<  <   >  >>