للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما أبدوه في حقّه من الأذى , قابلهم بهذا الحلم (١) الوافر , والإحسان العظيم , على تقارب العهد , والجرح طري ولم يندمل , حتى قالت الأنصار - رضي الله عنهم -: أما الرجل فأدركته الرأفَة بقومه والرغبة في قريته (٢) , على أن له من العقل والحلم والأفضال مما أشرنا إليه ,

وما سنذكر منه ما (٣) ييسّر اللهُ تعالى بعونه ومشيئته على من آذاه , وسبَّه , وقصد مضرّتَه , بل وقتله من الكفار والمنافقين واليهود وغيرهم فضلاً عن الذين آذوه من قومه وأهله وبني عمّه ما تضيق عن حصره مجلّدات (٤) كثيرة , فعفوه عن الأجانب من المشركين واليهود وغيرهم [ق ٥٠/ظ] أعظم من عفوه عن أهله , وإن كان أذاهم مُمِضّاً مُرْمِضاً كما قال طَرفَة (٥):

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً (٦) ... على المرء من وقع الحسام المهنَّد

وكما جرى في قصّة غَوْرَث (٧) الذي جاء والنبي - صلى الله عليه وسلم - نائم فاخترَط سيفه فانتبَه النبي - صلى الله عليه وسلم - وغَورَث قائم على رأسه بالسيف صلتاً فقال له: مَن يمنعك منّي؟ , فقال: «الله» , فألقى السيف من يده فلم يؤاخذه ولم يعاقبه (٨) , وكما ذكرنا من قصّة الساحر لبيد بن الأعصم اليهودي , واليهوديّة التي جعلت السمّ في طعامه ليأكله فيموت (٩) , وكالأعرابي الذي جاءه من خلْفه فجبذه بردائه حتّى أثّرت حاشية الرّداء في عنقه وقال أعطني من


(١) في ب "حكم".
(٢) أخرجه مسلم (٣/ ١٤٠٧) , كتاب الجهاد والسير , باب فتح مكة , ح ١٧٨٠ , من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - , بلفظ: "أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته , ورغبة في قريته".
(٣) في ب "مما".
(٤) في ب "مجارات".
(٥) طرفة بن العبد بن سفيان بن مالك البكري الوائلي. انظر: شرح المعلقات التسع ص ٣٨ , منسوب لأبي عمرو الشيباني , تحقيق: عبدالمجيد همو , الطبعة الأولى ١٤٢٢ , مؤسسة الأعلمي , بيروت.
(٦) أشد مضاضة: أي أشد حرقة. شرح المعلقات التسع ص ٧٣.
(٧) غورث بن الحارث , ويحتمل أن يكون هو دعثور بن الحارث الغطفاني , فيكون أحد الاسمين لقب. انظر: الإصابة (٢/ ٣٨٧) , (٥/ ٣٢٨ - ٣٢٩).
(٨) أخرج القصة مسلم (٤/ ١٧٨٦) , في كتاب الفضائل , باب توكله على الله تعالى , وعصمة الله تعالى له من الناس , ح ٢٢٨١ , من طريق جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - , وجاء التصريح باسمه وعفو النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه في الدلائل للبيهقي (٣/ ٤٥٦) ح ١٢٧٢ , وفي المعجم الأوسط للطبراني (٩/ ٥٢) ح ٩١١١٢.
(٩) تقدم تخريجه , انظر: ص ٤١١ - ٤١٢.

<<  <   >  >>