للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سحروه وأخبره جبريل - عليه السلام - بالسّحر وبمن سحرَه ولم يعاقبه (١) مع ما كان مستحقّاً

للعقوبة مع مخالفته لدينه وغدره وخيانته لله سبحانه وتعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - , وكذلك اليهوديّة التي جعلت السُمّ في طعامه فإنه عفا عنهما ولم يعاقبهما (٢) , وهذا أعظم من عفو يوسف عليه الصلاة والسلام (عن إخوته) (٣) , فإنّ القرابة والرّحم قلّ أن تسمح النّفس بالعقوبة لهم , ولا سيما مع طول المُدَد وتقادُم العهد , فإن جمرة الغضب إذا طال الزمان تَطفئ , وبَوادرَ الانتقام تسكن حينئذ وتخفى، وأمّا حلم (٤) محمد - صلى الله عليه وسلم - عن قومه وما بالغوا معه في الأذى قولاً وفعلاً ولمّا مكّنه (٥) الله تعالى منهم يوم الفتح قال: «من دخل بيته فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ونحو ذلك (٦) , مع شدّة ما أسلفوه من العداوة ,


(١) أخرج البيهقي في الدلائل (٧/ ٩٢) , من طريق عائشة رضي الله عنها , بلفظ: " فقيل: يا رسول الله، لو قتلت اليهودي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد عافاني الله عز وجل، وما وراءه من عذاب الله أشد» , قال الألباني في السلسلة الصحيحة (٦/ ٢٦٠) ح ٢٧٦١: "وهذا إسناد ضعيف جداً"؛ وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى (٢/ ١٩٦) , تحقيق: إحسان عباس , الطبعة الأولى ١٩٦٨ م , دار صادر , بيروت: : أن لبيد بن الأعصم سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى التبس بصره وعاده أصحابه , ثم إن جبريل وميكائيل أخبراه , فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعترف فاستخرج السحر من الجب من تحت البئر , ثم نزعه فحله , فكُشف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وعفا عنه" , وأخرج ابن سعد في موضع آخر من الطبقات الكبرى (٢/ ١٩٩) عن عكرمة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عفا عنه" وقال: "قال عكرمة: ثم كان يراه بعد عفوه فيعرض عنه، قال محمد بن عمر -الواقدي-: وهذا أثبت عندنا ممن روي أنه قتله".
(٢) قال النووي في شرح صحيح مسلم (١٤/ ١٧٩): "اختلف الآثار والعلماء هل قتلها النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا, فوقع فى صحيح مسلم أنهم قالوا: ألا نقتلها , قال «لا» ,ومثله عن أبي هريرة وجابر , وعن جابر من رواية أبى سلمة: أنه - صلى الله عليه وسلم - قتلها , وفى رواية ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها , وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلها , قال القاضي: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولاً حين اطلع على سمها وقيل له اقتلها فقال «لا» , فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصاً , فيصح قولهم: لم يقتلها أى فى الحال , ويصح قولهم: قتلها أي بعد ذلك , والله أعلم".
(٣) "عن إخوته" ليس في ب.
(٤) في ب "حكم".
(٥) في ب "أمكنه" بزيادة الهمزة.
(٦) أخرجه مسلم (٣/ ١٤٠٧) , كتاب الجهاد والسير , باب فتح مكة , ح ١٧٨٠ , من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - , بلفظ: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن , ومن ألقى السلاح فهو آمن , ومن أغلق بابه فهو آمن».

<<  <   >  >>