للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخبر ممّا (١) سيكون قبل كونه بأمور عظيمة منها: إخبارُه بغلب الروم وأنهم سيغلبون في بضع سنين , ومنها ظهور كذّاب ومبير (٢) , وأمور يطول ذكرها وقع بعضها والباقي سيقع لا محالة , (كالدّجال) (٣) , ويأجوج ومأجوج , ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام , وطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك , وقد تقدّم من ذلك جملة , وسيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى أشياء أخر في أماكنها.

وأمّا عقل يوسف عليه الصلاة والسلام , وحلْمه , وصبره على الأذى , وما لقي أوّلاً من إخوتِه , ثم آخراً لمّا وُجد الصّاع في رحل (٤) أخيه قالوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} [يوسف: من الآية ٧٧] , ولمّا قدموا المرّة الأولى فعرفهم وهم له منكرون , وهو حينئذ على خزائن الملْك , فلم [ق ٥٠/و] يَهِجْهُ ما فعلوا به , ولم تحرّكه القدرة عليهم على الانتقام منهم , بل قال: {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [يوسف: من الآية ٥٩] , ثم لمّا عَرفوه حين قال: {أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: من الآية ٩٠] , قالوا له: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: ٩١] , فقال هو: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: من الآية ٩٢]؛ وهذا غاية في الحِلْم , فإنه عفا عنهم من قبل أن يَسألوه العفو , وأبوهم يعقوب عليه الصلاة والسَّلامُ لمّا قالوا له: {اسْتَغْفِرْ لَنَا [ذُنُوبَنَا] (٥)} [يوسف: من الآية ٩٧] , قال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: من الآية ٩٨] , قلنا هذه صفات حسنة , وأخلاق جميلة , وطباع كريمة , ولمحمّد - صلى الله عليه وسلم - في ذلك عجائب لا يدرك مداها , ولا يبلغ منتهاها , من ذلك: أن اليهود


(١) في ب "بما".
(٢) تقدم تخريجه , انظر: ص ٤٢٥.
(٣) "كالدجال" ليس في ب.
(٤) في ب "رحال".
(٥) "ذنوبنا" زيادة من ب.

<<  <   >  >>