للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إني دُعيتُ إلى معصيتك [وإني] (١) أختار أن أصبِر نفسي فألقِيها في هذا الجوسق ولا أركب المعصية ثم قال: بسم الله وألقى نفسه من (٢) أعلى الجوسق , -قال: - فأهبط

الله تعالى إليه ملكاً , فأخذ بضَبْعَيْه فوقع قائماً على رجليه فلمّا صار في الأرض قال: اللهم إن شئت رزقتني رزقاً تغنيني عن بيع هذه القفاف , فأرسل الله إليه جراداً من ذهبٍ فأخذ منه حتّى ملأ ثوبه ثم قال: (اللهم) (٣) إن كان هذا رزقاً رزقتنيه في الدنيا فبارك لي فيه , وإن كان ينقصني مما لي عندك في الآخرة فلا حاجة لي به , قال: فنودي أن هذا الذي أعطيناك جزء من خمسة وعشرين جزءاً لِصبرك على إلقائك نفسك من هذا الجوسق , فقال: اللهم لا حاجة لي فيما ينقصني مما لي عندك في الآخرة , قال: فرفع (٤)؛ وعفّة محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم من عفة يوسف عليه الصلاة والسلام , ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أملك لأربه وإربه عن جميع الخلائق.

وأما قول يوسف عليه الصلاة والسلام للملك: {اجْعَلْنِي (٥) عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: من الآية ٥٥] , وولاية الملك له ذلك , وحسن تصرفه في سني الجدب , وما أعده لها في سني الخِصب؛ قلنا: هذا ما لا ريب فيه ولا شك يعتريه وحال محمد - صلى الله عليه وسلم - في مثل ذلك أجمل , وفضله أكمل [ق ٥٢/و] , فإن يوسف عليه الصلاة والسلام قال للمَلِك: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: من الآية ٥٥] يعني: أرض مصر , فإن ذلك المَلك لم يكن يملك غيرها , وإن كانت حالة يوسف - عليه السلام - من النبوّة وتبليغ الرسالة وإظهار الشريعة أكبر من تدبير مملكة مصر والتصرف في خزائنها , فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض وأن تجرى له بطحاء مكة ذهباً فأباها


(١) مابين المعقوفتين طمس في الأصل , وما ذكرته من ب.
(٢) في ب "في" , وهو خطأ.
(٣) "اللهم" ليس في ب.
(٤) وجدته في نسختي المطبوعة من عيون الحكايات بغير إسناد , انظر عيون الحكايات لابن الجوزي: ص ١٤٢ - ١٤٣ , تحقيق: عبدالعزيز سيد هاشم الغزولي , الطبعة الثانية ١٤٢٩ , دار الكتب العلمية , بيروت؛ وقد ذكره ابن الجوزي أيضاً في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (٢/ ١٨٢ - ١٨٣) , وفي كتابه ذم الهوى ص ٢٤٩ - ٢٥٠ , تحقيق: خالد عبداللطيف السبع العلمي , الطبعة الأولى ١٤١٨ , دار الكتاب العربي , بيروت.
(٥) في ب زيادة "اللهم" قبل "اجعلني" , وهو خطأ.

<<  <   >  >>