للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصلاة والسلام من ملك مصر , وتسلّطه على المشركين أكمل من تسلط يوسف على أهل مصر , وقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - تأتيه الأموال

العظيمة من الفتوح فيقسمها بين الناس فما يقوم وقد بقي عنده منها شيء , ولمّا غنم أموال هوازن وسَبى ذراريهم أمَتُّوا إليه بالرضاع فيهم فقال: «ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لله ولكم» , فقالت الأنصار: ما (كان) (١) لنا فالله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - , فردّ عليهم جميع سبيهم (٢) , فذُكر أنّ الذي أطلقه لهم قُوّم بخمس مائة ألف ألف درهم , وكان عطاؤه - صلى الله عليه وسلم - عطاء من لا يخاف الفقر [ق ٥٣/ظ] ولا يخشى الفاقة (٣) , كان يَقسم فيعطي الرجل المائةَ من الإبل والمائةَ من الغنم وأعطى مرّة غنماً بين جبلين (٤) , حتى استغنى أصحابه , وتموّلوا حتّى صاروا أغنياء , ومنهم من صار ملكاً كمعاوية , وأمراء كغيره مما هو مشهور في كتب سيرهم وأخبارهم , فكان حال الخلق في أيام محمد - صلى الله عليه وسلم - أحسن وأطيب من حال الناس في زمان يوسف عليه الصلاة والسلام , وكان عتق محمد - صلى الله عليه وسلم - لهوازن ومنّه عليهم بذلك بعد تملّكهم أعظم من تملّك يوسف عليه الصلاة والسلام أهل مصر , ولا ريب أنّ المعتق بعد التملّك أعظم درجة من المتملّك بغير عتق.

فإن قيل: إن يوسف عليه الصلاة والسّلام لمّا رادوته امرأة العزيز عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت: هيت لك , (قال) (٥): معاذ الله , فاستعصم - عليه السلام - عن إجابتها إلى ما أرادت فهدّدتْه بالسجن دعا ربَّه سبحانه فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ


(١) "كان" ليس في ب.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (١/ ٣٩٤) ح ٦٦١ , تحقيق: محمد شكور , الطبعة الأولى ١٤٠٥ , المكتب الإسلامي , بيروت , وفي المعجم الأوسط (٥/ ٤٥) ح ٤٦٣٠ , وفي المعجم الكبير (٥/ ٢٦٩ - ) ح ٥٣١٠ , من طريق زهير بن صرد الجشمي , وأخرجه مطولاً: الطبراني في المعجم الكبير (٥/ ٢٧٠) ح ٥٣١١ , وأحمد (١١/ ٦١٢ - ٦١٣) ح ٧٠٣٧ , والنسائي (٦/ ٢٦٢) , كتاب الهبة , ح ٣٦٨٨ , والبيهقي في الدلائل (٥/ ١٩٤) , من طريق عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - , قال الألباني في صحيح سنن النسائي ص ٥٧٠: "حسن".
(٣) أخرج مسلم (٤/ ١٨٠٦) , في كتاب الفضائل , باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال لا وكثرة عطائه , ح ٢٣١٢ , من حديث أنس - رضي الله عنه - , بلفظ: "ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئاً إلا أعطاه , قال: فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين , فرجع إلى قومه , فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يُعطي عطاءً لا يخشى الفاقة".
(٤) تقدم في الحديث السابق.
(٥) "قال" ليس في ب.

<<  <   >  >>