للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيفة فلمّا فتحوها إذا هي كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فسُقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم , فقال أبو طالب هل تبيّن لكم أنكم أولى بالظّلم والقطيعة , فلم يراجعه أحد منهم , ثم انصرفوا (١) , وقد كان اجتماعهم على كتابة الصحيفة وتمالؤهُم بخَيْف (٢) بني كنانة وهو المكان المعروف بالمُحَصّب (٣) , فلمّا أظهر الله تعالى محمداً - صلى الله عليه وسلم - على قومه ونصره عليهم , بعد أن أخرج مِن مكّة وبذلوا الأجعال والأموال لمن أتاهم به , فسلّمه الله تعالى منهم فلما كان يوم الفتح -فتح مكة- سلّطه الله تعالى عليهم , فقتل من قتل , واستبقى من استبقى , وعفا عمّن (٤) عفا , وملّكه الله تعالى أرضهم وديارهم , وأكسبه أموالهم وأولادهم , ثمّ لمّا حجّ قال لأصحابه يوم النحر وهو بمنى: «نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» يعني بذلك: المحَصَّب (٥) , فأراه الله تعالى نفسه والخلق طوع أمره (٦) وتحت حكمه , وأزمّة أمور العالم بيده في المكان , وكذلك لمّا منعوه في عُمرة الحديبية أن يَدخل مكة ورجع هو وأصحابه سلّطه الله تعالى عليهم يوم الفتح , ومكّنهم من رقابهم , ودخلها عليهم عنوة , وطاف حول الكعبة وجعل يشير إلى الأصنام التي حولها فتتساقط (٧) وهو يقول: «{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: من الآية ٨١] , {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: من الآية ٤٩]» (٨) , فكان ما أعطاه أعظم مما أعطى يوسف عليه


(١) تقدم تخريجه , انظر: ص ٤٨٠.
(٢) خَيْف -بفتح الأول وياء مثناة ساكنة-: ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء. المعالم الأثيرة ص ١١٠.
(٣) في ب "بالحصب" , والمحصب -بالضم ثم الفتح وصاد مهملة مشددة-: هو موضع فيما بين مكة ومنى , وهو إلى منى أقرب , ويعرف اليوم بمجر الكبش , وهو مما يلي العقبة الكبرى من جهة مكة إلى منفرج الجبلين. المعالم الأثيرة ص ٢٤٠.
(٤) في ب "من".
(٥) أخرجه البخاري (٢/ ١٤٨) , كتاب الحج , باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة , ح ١٥٩٠ , ومسلم (٢/ ٩٥٢) , كتاب الحج , باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر , ح ١٣١٤ , من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٦) في ب "أميره".
(٧) في ب "فتساقط" بتاء واحدة.
(٨) تقدم تخريجه , انظر: ص ٣٤٢.

<<  <   >  >>