للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ومثل هذا يجري لكثير من الناس -ثم قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: - ثم تفويت الصلاة بمثل هذا إما أن يكون جائزاً، وإما أن لا يكون، فإن كان جائزاً لم يكن على علي - رضي الله عنه - إثم إذا صلى العصر بعد الغروب، وليس علي أفضل من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد نام صلى الله عليه وسلم ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم إلى الشرق. وإن كان التفويت محرماً فتفويت العصر من الكبائر، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله». وعلي كان يعلم أنها الوسطى وهي صلاة العصر، وهو قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين أنه قال: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ملأ الله أجوافهم وبيوتهم ناراً»؛ وهذا كان في الخندق، وهذه القصة كانت في خيبر كما في بعض الروايات، وخيبر بعد الخندق، فعلي أجل قدراً من أن يفعل مثل هذه الكبيرة ويقره عليها جبريل ورسول الله، ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه، وقد نزه الله علياً عن ذلك ثم فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس. وأيضاً فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرية قدام العسكر، والمسلمون أكثر من ألف وأربعمائة، كان هذا مما يراه العسكر ويشاهدونه، ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان، فلو نقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم، كما نقلوا أمثاله، لم ينقله المجهولون الذين لا يعرف ضبطهم وعدالتهم، وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت، تعلم عدالة ناقليه وضبطهم، ولا يعلم اتصال إسناده، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر: «لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، فنقل ذلك غير واحد من الصحابة وأحاديثهم في الصحاح والسنن والمسانيد، وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا رواه أهل الحديث ولا أهل السنن ولا المسانيد، بل اتفقوا على تركه، والإعراض عنه، فكيف في شيء من كتب الحديث المعتمدة؛ -قال: - وهذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب المختلق - قال: - وقد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل علي كالإمام أحمد وأبي نعيم والترمذي والنسائي وأبي عمر بن عبد البر، وذكروا فيها أحاديث كثيرة ضعيفة، ولم يذكروا هذا! لأن الكذب ظاهر عليه بخلاف غيره -ثم ختم شيخ الإسلام بحثه القيم بقوله: - وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحاً لما فيه من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -: وفضيلة علي عند الذين يحبونه ويتولونه، ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب فردوه ديانة، والله أعلم.
وقد مال إلى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث تلميذاه الحافظان الكبيران ابن كثير والذهبي، فقال الأول منهما بعد أن ساق حديث حبس الشمس ليوشع عليه السلام من تاريخه: " وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام، فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه أن الشمس رجعت حتى صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر، بعد ما فاتته بسبب نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبته، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يردها عليه حتى يصلي العصر فرجعت، وقد صححه أحمد بن صالح المصري، ولكنه منكر ليس في شيء من الصحاح والحسان، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها. والله أعلم.
وقال الذهبي في تلخيص الموضوعات: أسانيد حديث رد الشمس لعلي ساقطة ليست بصحيحة، واعترض بما صح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن الشمس لم تحبس إلا ليوشع بن نون، ليالي سار إلى بيت المقدس». وقال شيعي: إنما نفى عليه السلام وقوفها، وحديثنا فيه الطلوع بعد المغيب فلا تضاد بينهما؛ قلت: لوردت لعلي لكان ردها يوم الخندق للنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، فإنه حزن وتألم ودعا على المشركين لذلك. ثم نقول: لوردت لعلي لكان بمجرد دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن لما غابت خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب، وأفطر الصائمون، وصلى المسلمون =

<<  <   >  >>