(٢) قد أشار الإمام جمال الدين السرمري رحمه الله إلى نحو هذه الجملة في كتابه المولد الكبير (مخطوط) ورقة: ٥ ب , فقال: "إذ لابد من ذكر المعجزات لتثبيت النبوة وقيام الحجة" , وهذه من الجمل المشتبهة , والتي قد يفهم منها حصر دلالة النبوة في المعجزة وهذا باطل , بل طرق الدلالة على النبوة كثيرة متنوعة، وهي من مقتضى رحمة الله بعباده , ولا يلزم من أهمية دلالة المعجزة على النبوة ألا يكون في غيرها الدلالة , وفي نقد هذا المعنى وبيان موقف أهل السنة من هذه المسألة يقول الإمام ابن أبي العز رحمه الله: "الطريقة المشهورة عند أهل الكلام والنظر تقرير نبوة الأنبياء بالمعجزات، لكن كثيرًا منهم لا يعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات، وقرروا ذلك بطرق مضطربة , والتزم كثير منهم إنكار خرق العادات لغير الأنبياء , حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر , ونحو ذلك , ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح، لكن الدليل غير محصور في المعجزات، فإن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين، أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين، بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما، وتعرف بهما، والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة، فكيف بدعوى النبوة" إلى أن قال: "ونحن اليوم إذا علمنا بالتواتر من أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم، علمنا يقينًا أنهم كانوا صادقين على الحق ومن وجوه متعدِّدة: منها: أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم، وخذلان أولئك، وبقاء العاقبة لهم. ومنها: ما أحدثه الله لهم من نصرهم، وإهلاك عدوهم، إذا عرف الوجه الذي حصل عليه، كغرق فرعون، وغرق قوم نوح، وبقية أحوالهم، عرف صدق الرسل. ومنها: أن من عرف ما جاءت به الرسل من الشرائع وتفاصيل أحوالها، تبين له أنهم أعلم الخلق، وأنه لا يحصل مثل ذلك من كذاب جاهل، وأن فيما جاؤوا به من المصلحة والرحمة والهدى والخير ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرُّهم ما يبين أنه لا يصدر إلا عن راحم بر يقصد غاية الخير والمنفعة للخلق". انظر: "شرح الطحاوية ص ١٠٩ - ١١٦.