للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد الصلاة , والمراعاة للجماعات والمشي إليها في الظلمات , حتى إنّ في هذه الأمّة من ذُكِر أنه لم يفته صلاة في جماعة إلا مرّة فصلى سبعاً وعشرين صلاة لما بلغه أن صلاة الجماعة تضاعف على صلاة الواحد سبعاً وعشرين ضعفاً والحكاية معروفة (١) , وفي إسباغ الوضوء في المكروهات والمشي إلى الجماعات وانتظار الصلوات بعد الصلوات يَختصم الملأ الأعلى كما جاء في الحديث المشهور (٢) , فأولئك هم الوارثون

الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون , وهذا الميراث إنما هو أنّ هذه الصلوات عرضت على من كان قبلهم فأضاعوها , كما قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم: من الآية ٥٩] فأوْرَثَ الله هذه الأمّة [ق ١٤/ظ] مكانهم الذي وعدهم على حفظ الصلوات لو حفظوها والله تعالى أعلم؛ واستثنى الله تعالى في


(١) الحكاية تروى عن (عبيد الله بن عمر القواريري) -شيخ البخاري ومسلم- , يقول القواريري: "لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة , فنزل بي ضيف، فشغلت به , فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة , فإذا الناس قد صلوا , فقلت في نفسي: يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صلاة الجميع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة» , وروي: «خمساً وعشرين درجة» وروي: «سبعاً وعشرين»، فانقلبت إلى منزلي، فصليت العتمة سبعاً وعشرين مرة، ثم رقدت فرأيتني مع قوم راكبي أفراس، وأنا راكب، ونحن نتجارى وأفراسهم تسبق فرسي، فجعلت أضربه لألحقهم، فالتفت إلي آخرهم , فقال: لا تجهد فرسك، فلست بلاحقنا , قال: فقلت: ولم؟ لأنا صلينا العتمة في جماعة". سير أعلام النبلاء (١١/ ٤٤٤) , تهذيب الكمال (١٩/ ١٣٤) , للإمام المزي , تحقيق: د. بشار عواد معروف , الطبعة الأولى ١٤٠٠ , مؤسسة الرسالة , بيروت؛ الوافي بالوفيات (١٩/ ٢٦٢) , تاريخ بغداد (١٢/ ٢٥).
(٢) أخرجه الترمذي (٥/ ٣٦٦) , أبواب تفسير القرآن , باب ومن سورة ص , ح ٣٢٣٥ , عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: احتبس عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس , فخرج سريعاً فثوب بالصلاة , فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجوز في صلاته , فلما سلم دعا بصوته قال لنا: «على مصافِّكم كما أنتم» ثم انْفَتَلَ إلينا ثم فقال: «أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: أني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي فاستثقلت , فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد , قلت: لبيك رب , قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري -قالها ثلاثاً- , قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي , فتجلى لي كل شيء وعرفت , فقال: يا محمد , قلت: لبيك رب , قال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات , قال: ما هن؟ قلت: مشي الأقدام إلى الحسنات , والجلوس في المساجد بعد الصلوات , وإسباغ الوضوء حين المكروهات ... » الحديث.
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

<<  <   >  >>