للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرشيّ: احلف باللات والعزى فقال: «والله ما أبغضتُ شيئاً ما أبغضتهما وإنّي لأمُرُّ بهما فأعرِض عنهما» , فقال له القرشي [ق ١٦/و]: أنت صادق فيما تقول (١)؛ وقد كان - صلى الله عليه وسلم - قبل الوحي يتألَّه ويتحنَّث ويتعبَّد لله تعالى كما قد ثبت في الصحاح وغيرها من سيرته - صلى الله عليه وسلم - وكل ذلك رُشد آتاه الله تعالى إيَّاه في صغره وتوفيق مَنَحه إيَّاه في طفوليته , وذلك (من) (٢) فضل الله الذي يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ وأما تبليغ دعوة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لمّا بنى البيت بالحج في الناس فبلغ صوته مَن قضى الله أن يحجّ , قلنا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أبلغ من ذلك فإنه زُويت (٣) له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها وقال: «سيبلغ مُلْك أمّتي مازوي لي منها» (٤) ولو أراد أن يبلّغ الله صوته ما بلغ نظره لكان ذلك , وما أُعطي محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم مما أُعطي إبراهيم عليه الصلاة والسلام , وقد أعطى الله بعض أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن بلغ صوته حيث أراد وكشف عن بصيرته وبصره المسافة البعيدة مسيرة شهر وذلك ما

رواه أبو نعيم بإسناده عن عمرو بن الحارث قال: "بينما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة فقال: يا ساري (٥) (٦) الجبل مرتين أو ثلاثاً ثم أقبل على خطبته , فقال أولئك النظراءُ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -: لقد جُنَّ إنه لمجنون , بينا (٧) هو في خطبته قال: يا ساري الجبل , فدخل عليه عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وكان يطمئنّ إليه فقال: لشدّ ما ألُومُهم عليه أنك لتجعل لهم على نفسك مقالاً بينا أنت تخطب إذ أنت


(١) أخرجه أبو نعيم في الدلائل (١/ ١٢٨) ح ١٠٥ , بلفظ: «ما حلفت بهما قط وإني لأمر بهما فأعرض عنهما».
(٢) "من" ليس في ب.
(٣) زويت: أي جُمعت: يقال زويته أزويه زيّاً. النهاية (٢/ ٨٠١).
(٤) أخرجه مسلم (٤/ ٢٢١٥) , كتاب الفتن وأشراط الساعة , باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض , ح ٢٨٨٩ , بلفظ: «وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها».
(٥) هو سارية بن زنيم الكناني , اختلف في صحبته , توفي نحو ٣٠ هـ. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (٣/ ٤ - ٥)؛ الأعلام (٣/ ٦٩ - ٧٠).
(٦) ساري بحذف تاء التأنيث: من باب الترخيم , والوارد في الدلائل بإثبات التاء "سارية".
(٧) في ب "بينما".

<<  <   >  >>