وتارة يكون لفظ المسمع حفظا أو من كتاب، قال القاضي عياض: فلا خلاف حينئذ أن يقول السامع: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت، وقال لنا، وذكر لنا فلان.
قال الخطيب: أفضل العبارات سمعت، ثم حدثنا وحدثني، قال: وقد كان جماعة من أهل العلم لا يكادون يخبرون عما سمعوه من الشيخ إلا بقولهم: أخبرنا، ومنهم حماد بن سلمة، وابن المبارك، وهشيم بن بشير، ويزيد بن هارون، وعبد الرزاق، ويحيى بن يحيى التميمي، وإسحاق بن راهويه، وآخرون كثيرون.
قال ابن الصلاح: وينبغي أن يكون حدثنا وأخبرنا أعلى من سمعت؛ لأنه قد لا يقصده بالإسماع بخلاف ذلك، والله أعلم.
حاشية: قلت: بل الذي ينبغي أن يكون أعلى العبارات على هذا، أن يقول: حدثني؛ فإنه إذا قال: حدثنا أو أخبرنا، قد لا يكون قصْده الشيخ بذلك أيضا، لاحتمال أن يكون في جمع كثير. والله أعلم.
هذا هو القسم الأول الذي هو السماع، وهو أن يسمع من لفظ الشيخ، أن يسمع التلميذ أو الراوي من لفظ شيخه الحديث، فالذي يقرأ الآن أو يحدث هو الشيخ.
وهذا.. تكاد تكون كلمة اتفاق - يعني الخلاف فيه ضعيف- على أن هذه الطريقة هي أعلى طرق التحمل، أن على طرق التحمل أن يسمع من لفظ الشيخ.
ذكر ابن كثير في بداية كلامه أنها على قسمين:
تارة يكون من لفظ المُسْمِع حفظا، يعني: الشيخ يحدث من حفظه، وتارة من كتاب. والتحديث من كتاب عندهم أعلى من التحديث من الحفظ؛ ولهذا كان بعض الأئمة قد التزم ألا يحدث إلا من كتاب.
الإمام أحمد -رحمه الله- ينقلون عنه أو يذكرون عنه أنه لا يحدث إلا من كتاب، خشية ماذا لا يحدث إلا من كتاب؟ خشية الخطأ؛ لأنهم يقولون: الحفظ خوّان.
كان الإمام أحمد يذاكر أحيانا حفظا، فإذا أراد صاحبه أن يسمع منه حديثا، ذهب وأخرج الكتاب وحدثه به من كتابه.
وكان علي بن المديني -رحمه الله- يقول: أوصاني أبو عبد الله ألا أحدث المسند إلا من كتاب.