للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي (الرَّحْمَنِ) من المبالغة ما ليس في (الرَّحِيمِ)؛ ولذلك قالوا: رحمنُ الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا. ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى. وقال الزجاج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وفي (الرَّحْمَنِ) من المبالغة ما ليس في (الرَّحِيمِ)، قال الزجاج: الرحمن اسم الله خاصة، لا يقال لغيره: رحمن، ومعناه المبالغ في الرحمة، وفعلان من بناء المبالغة تقول للشديد الامتلاء: ملآن، وللشديد الشبع: شبعان. والرحيم: اسم الفاعل من رحم فهو رحيم، وهو أيضاً للمبالغة. وقيل: الرحمن أبعد جرياً من الفعل، والرحيم أقرب إلى مضارعه في عدد الحروف والحركات، فما كان أبعد من الفعل كان أولى.

قوله: (ولذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا)، المطلع: الرحمن: الذي كثرت آثار رحمته، والرحيم: الذي قويت آثار رحمته؛ ففي الدنيا يصل رزقه إلى كل مؤمن وكافر وحيوان ونبات، وفي الآخرة لا يصل إلا إلى المؤمنين، غير أن الواصل في الدنيا كثير الكمية قليل الكيفية؛ لقلة الدنيا وسرعة انصرامها وكثرة شوائبها، وفي الآخرة قليل الكمية بالإضافة إلى من يصل إليها وهم الذين ماتوا على الإسلام، لكنها كثيرة الكيفية لوجود الملك المؤبد والنعيم المخلد.

قوله: (ويقولون: إن الزيادة)، عطف على قوله: "قالوا: رحمن الدنيا"، واستدل على أن "الرحمن" أبلغ من "الرحيم" بوجهين: أحدهما: نقلي؛ وهو قوله: "قالوا" إلى آخره، والآخر: قياسي، وهو قوله: "يقولون"، وخالف بين الصيغتين ماضياً ومضارعاً ليؤذن بأن القول الثاني هو الدائر بين الأدباء، والأول قول قديم مأثور كقوله تعالى: (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة: ٨٧].

قوله: (وقال الزجاج)، عطف على "يقولون" على سبيل البيان. وفيه دلالة على إرادة الاستمرار فيه. ثم نقول: إن المبالغة في الرحمن إما بحسب الكمية؛ فهو المراد من الاستشهاد

<<  <  ج: ص:  >  >>