بالنقل، وإما بحسب الكيفية؛ فهو المراد من الاستشهاد بالغضبان. والمختار الثاني، أي: المبالغة بحسب الكيفية. يدل عليه قوله:"لما قال الرحمن فتناول جلائل النعم وعظائمها، أردفه بالرحيم ليتناول ما دق منها" ونحوه قال في قوله تعالى: (وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)[ق: ٢٩]: هو من قولك: ظالم لعبده، وظلام لعبيده، وأن يراد لو عذبت من لا يستحق العذاب لكنت ظلاماً، وهذا هو المراد بالاستشهاد.
قال صاحب "الانتصاف": تعليل الزمخشري بقوله: "رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا"، بأن الرحمن أبلغ- ضعيف؛ غاية ما فيه: أن الرحمة المستفادة من الرحمن أعم من الرحمة المستفادة من الرحيم. والعموم بالدلالة على قصور المبالغة أولى منه بالدلالة على غايتها، ألا ترى أن ضارباً لما كان أعم من ضراب كان ضراب أبلغ منه لخصوصه، فلا يلزم من خصوص رحيم أن يكون أقل مبالغة من رحمن.
أجاب صاحب "الإنصاف": أما أن الخصوص لا يلزم منه قلة المبالغة فحسن، وأما دعواه أن الخصوص دال على المبالغة والعموم على قصورها، واستشهاده بضراب وضارب فغير صحيح؛ لأن المبالغة في ضراب لم تكن لأجل خصوصه بل لدلالته على التكرار، ألا ترى أنا لو وضعنا لمن حصل منه الضرب اسم فاعل يخصه لم يكن أبلغ من ضارب مع أن ضارباً أعم منه؟ ! ولما انقسم المطر إلى: وابل، وطل، وجود؛ لم يكن الوابل والطل والجود أبلغ من المطر؛ لكونها أخص.