(قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فحذف الأول؛ لدلالة الثاني عليه، كما في قولهم: ضربني وضربت زيداً. ويجوز: فلما تبين له ما أشكل عليه، يعنى أمر إحياء الموتى. وقرأ ابن عباس رضى اللَّه عنهما:(فلما تبين له) على البناء للمفعول. وقرئ: قال اعلم، على لفظ الأمر: وقرأ عبد اللَّه: (قيل اعلم) فإن قلت: فإن كان المارّ كافراً فكيف يسوغ أن يكلمه اللَّه؟ قلت: كان الكلام بعد البعث، ولم يكن إذ ذاك كافراً.
رجوع منه من قوله أولاً:(أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) وترق من حضيض التردد والشك إلى مدرج علم اليقين، أي: فلما ظهر له آثار قدرة الله في إحيائه بعد إماتته، وعدم تغير طعامه وشرابه بعد مضي السنين المتطاولة ونشر عظام حماره، وزال ذلك الشك والاستبعاد، قال: أتيقن الآن أن الله على كل شيء قدير، استدلالاً بالأمر الخاص على العام، وما أحسن موقع التجريد في قراءة الأمر، جرد من نفسه شخصاً بعد مشاهدة تلك الآيات البينات، كأنه غيره ووبخه على استبعاده ذلك، وهذا التقرير مما يقوي أن المار كان مؤمناً، كما أن الأول ظاهر في أنه كان كافراً.
قوله: (وقرئ: "قال اعلم") حمزة والكسائي: "قال اعلم"، بوصل الألف وجزم الميم في الوصل، ويبتدئان بكسر الألف على الأمر، والباقون: بقطع الألف في الحالين ورفع الميم على الإخبار، قال الزجاج: من قرأ: "اعلم"، كأنه يقبل على نفسه فيقول: اعلم أيها الإنسان أن الله على كل شيء قدير، والرفع على الإخبار. قال القاضي: الأمر مخاطبة النفس على التبكيت، وقلت: على التجريد والتوبيخ، وهذا ظاهر في أن المار كان مؤمناً.
قوله:(كان الكلام بعد البعث ولم يكن إذ ذاك كافراً)، الانتصاف: لا نسلم امتناع ما ذكر، فإن الله خاطب إبليس بقوله:(فَأَخْرُجْ مِنْهَا)[الحجر: ٣٤]، والكافرين بقوله: (اخْسَئُوا فِيهَا