(أَرِنِي): بصرني. فإن قلت: كيف قال له: (أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ) وقد علم أنه أثبت الناس إيماناً؟ قلت: ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين. و (بَلى): إيجاب لما بعد النفي، ومعناه: بلى آمنت. (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي): ليزيد سكوناً
وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون: ١٠٨]، وكذا قوله:(وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ)[البقرة: ١٧٤]، أي: بما يسرهم. وجوابه أعجب؛ لأن الإيمان إنما حصل بعد ما تبين له أمر الإماتة والإحياء، وكان قبل ذلك مكلماً بقوله:(كَمْ لَبِثْتَ) وكيت وكيت، وكان إذ ذاك كافراً.
قوله:(كيف قال له: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)؟ )، يعني: أن قوله: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) بمعنى ما آمنت؟ لأن "لم" متى دخل على المضارع انقلب ماضياً.
قوله:(من الفائدة الجليلة)، ويروى: الجلية، قيل: وهي أن يعلموا أنه إنما طلب ذلك للطمأنينة لا لأنه لم يؤمن، وقلت: الفائدة الجليلة هي أن يعلم أن في جبلة الإنسان الاختلاج والشك، وأن مزيله طلب الدلائل ومنح التوفيق من الله تعالى كقوله تعالى:(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[البقرة: ٢٥٧]، وما روينا عن البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى) ".