الانتصاف: سؤال الخليل ليس عن شك في القدرة على الإحياء، ولكن عن كيفيتها، ومعرفة كيفيتها لا يشترط في الإيمان، والسؤال بصيغة "كيف" الدالة على الحال هو كما لو علمت أن زيداً يحكم في الناس، فسألت عن تفاصيل حمكه، فقلت: كيف يحكم؟ فسؤالك لم يقع عن كونه حاكماً، ولكن عن أحوال حكمه، ولذلك قطع النبي صلى الله عليه وسلم ما يقع في الأوهام من نسبة الشك إليه بقوله:"نحن أحق بالشك"، أي: نحن لم نشك، فإبراهيم أولى، فإن قيل: فعلى هذا كيف قيل له: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)؟ قلنا: هذه الصيغة في الاستفهام بكيف قد تستعمل أيضاً عند الشك في القدرة، كما تقول لمن ادعى أمراً تستعجزه عنه: أرني كيف تصنعه؟ فجاء قوله:(أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)، والرد ببلى لزوال الاحتمال اللفظي في العبارة ويحصل النص الذي لا يرتاب فيه.
فإن قيل: قول إبراهيم: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يشعر ظاهره بفقد الطمأنينة عند السؤال؟ قلنا: معناه: ليزول عن قلبي الفكر في كيفية الإحياء بتصويرها مشاهدة فتزول الكيفيات المحتملة، وقلت: هذا تكلف، والقول ما سبق أن هذا رحمة من الله للعباد، وظاهر الحديث عليه، ولأن إزالة الشبهات ودفع الخواطر من صريح الإيمان، روينا عن مسلم وأبي داود، عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال:"وقد وجدتموه؟ "، قالوا: نعم، قال:"ذلك صريح الإيمان". وفي أخرى:"الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة". وعن مسلم، عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة فقالوا: إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه أن يتكلم به، قال:"ذلك محض الإيمان".