(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ): لا بد من حذف مضافٍ، أي: مثل نفقتهم كمثل حبةً، أو: مثلهم كمثل باذر حبة. والمنبت هو اللَّه، ولكن الحبة لما كانت سبباً أُسند إليها الإنبات كما يسند إلى الأرض وإلى الماء. ومعنى إنباتها سبع سنابل: أن تخرج ساقاً يتشعب منها سبع شعبٍ لكل واحدةٍ سنبلةٌ. وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عينى الناظر. فإن قلت: كيف صحّ هذا التمثيل والممثل به غير موجود؟ قلت: بل هو موجود في الدخن والذرة وغيرهما، وربما فرخت ساق البرة في الأراضي القوية المُغلة فيبلغ حبها هذا المبلغ، ولو لم يوجد لكان صحيحاً على سبيل الفرض والتقدير. فإن قلت: هلا قيل: سبع سنبلاتٍ على حقه من التمييز بجمع القلة كما قال: (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ)[يوسف: ٤٣]؟ قلت: هذا لما قدمت عند قوله تعالى: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)[البقرة: ٢٢٨] من وقوع أمثلة الجمع متعاورةً مواقعها. (وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ): أي: يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء، لا لكل منفق، لتفاوت أحوال المنفقين، أو يضاعف سَبع المائة ويزيد عليها أضعافها لمن يستوجب ذلك.
وهو رأس الخيرات وأس المبرات، كرر ذكره مراراً، وذلك أنه لما قص حديث طالوت وجالوت ونبذاً من أحوال الأنبياء تقريراً للجهاد تأسياً بهم، رجع إلى حديث الإنفاق بقوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَاتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ)[البقرة: ٢٥٤]، ثم أتى بوصف ذاته الأقدس بالمطالب العالية الشريفة وبقصة خليله عليه السلام، فكر راجعاً إلى قضية الإنفاق قائلاً:(مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ) الآية، ثم لما استوفى حقه من البيان ختم السورة بخاتمة سنية، وما ذلك إلا أن للإنفاق عند الله خطباً جليلاً وخطراً عظيماً، والله أعلم.
قوله:(أن تخرج ساقاً)، الراغب: النبت: لما له نمو في أصل الخلقة، يقال: نبت الصبي والشعر والسن، ويستعمل النبات فيما له ساق وما ليس له ساق، وإن كان في التعارف قد يختص بما لا ساق له، وأنبت الغلام: إذا رهق كأنه صار ذا نبتة، وفلان في منبت خير، كناية عن الأصل، وقال: هذه الآية متعلقة بقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً)، وما بينهما