ومعنى (ثم): إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى، وأنّ تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله:(ثُمَّ اسْتَقامُوا)[فصلت: ٣٠]. فإن قلت: أي فرقٍ بين قوله: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) وقوله فيما بعد (فلَهُمْ أَجْرُهُمْ)[البقرة: ٢٧٤]؟ قلت: الموصول لم يضمن هاهنا معنى الشرط، وضمنه ثمة، والفرق بينهما من جهة المعنى: أنّ الفاء فيها دلالة على أنّ الإنفاق به استحق الأجر، وطرحها عار عن تلك الدلالة.
قوله:(ومعنى (ثُمَّ): إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن)، الانتصاف: وعندي فيه وجه آخر، وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف به، وإرخاء الطول في استصحابه، فلا يخرج بذلك عن الإشعار ببعد الزمن، ومعناه في الأصل: تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه، ومعناه المستعار: دوام وجود الفعل وتراخي زمن بقائه، ومثله:(ثُمَّ اسْتَقَامُوا)[فصلت: ٣٠]، أي: داموا على الاستقامة دواماً متراخياً، وتلك الاستقامة هي المعتبرة، كذا ها هنا، أي: يدومون على تناسي الإحسان وترك الامتنان، وقريب منه أو مثله السين تصحب الفعل لتنفيس زمان وقوعه، (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الصافات: ٩٩]، وقد قال:(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) فليس لتأخير الهداية سبيل، فتعين حمله على تنفيس دوام الهداية وتمادي أمدها، ولعل الزمخشري أشار إلى هذا في موضعه، وما ذكرته ها هنا في (ثُمَّ) أقرب من ذلك الموضع.
قوله:(وطرحها عار عن تلك الدلالة)، يعني بالدلالة: أن الثاني مع الفاء مسبب عن الأول. وقلت: مجيء الجملة بدون الشرائط وفيها ما يصح للسببية إيذان بأن الرابط معنوي، فيكون أبلغ، قال القاضي: لعله لم يدخل الفاء إيهاماً بأنهم أهل لذلك وإن لم يفعلوا، وكيف بهم إذا فعلوا! وتحقيقه أن في تضمين الكلام معنى الشرط تعليقاً للكلام، وفي عرائه عن ذلك تحقيق للخبر، على منوال قوله: