للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (من) على التفسير الأوّل للتبعيض، مثلها في قولهم: هز من عطفه، وحرك من نشاطه، وعلى الثاني؛ لابتداء الغاية، كقوله تعالى: (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة: ١٠٩]. ويحتمل أن يكون المعنى: وتثبيتاً من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه، وتعضده قراءة مجاهد: (وتبييناً من أنفسهم). فإن قلت: فما معنى التبعيض؟ قلت: معناه: أن من بذل ماله لوجه اللَّه فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معاً فهو الذي ثبتها كلها؛ (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [الصف: ١١].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشَّكُورُ) [سبأ: ١٣]، وعلى أنه قل ما ينفك عمل من رياء وإن قل، ولذلك جعل الفاصلة قوله: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي: لا يخفى عليه شيء من أسرار العباد.

قوله: (و (مِنْ)، على التفسير الأول: للتبعيض)، فيكون مفعولاً به للمصدر، أي: إذا تحمل هذا البعض من النفس خلاف ما هي مجبولة عليه يتأتى من سائرها سائر العبادات على سهولة ويسر، وإليه الإشارة بقوله: "فقد ثبت بعض نفسه"، إلى قوله: "ثبتها كلها"، وفيه أيضاً أن الواجب على النفس التثبت في كل ما كلفت به من مشاق، فإذا ثبتت على بذل المال، الذي هو أشق التكاليف، سهل عليها التثبت في سائرها، كما ينبئ عنه أول كلامه، قال تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: ٩]، وقوله: "على سائر العبادات" متعلق بقوله: "وليثبتوا" على معنى التضمين، ضمن التثبيت معنى التمكن والاستعلاء، أي: ليتمكنوا تثبيت بعضها على سائر العبادات.

قوله: (ويحتمل أن يكون المعنى): عطف على قوله: "ويجوز أن يراد"، ومن: للابتداء أيضاً، يعني: يحملون أنفسهم على الإنفاق لأجل الثبات في الإسلام حتى يثابوا عند الله، أو يظهر ثباتهم فيه عند المسلمين، فالتثبيت بمعنى التصديق للإسلام على سبيل الكناية، لأن من أنفق بعد إسلامه صدق بإنفاقه إسلامه، فإن الاستقامة بعد قول المؤمن (رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) [فصلت: ٣٠] مصدق لما قاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>