للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم بعث اللَّه له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها. وعن الحسن رضي اللَّه عنه: هذا مثلٌ قلّ واللَّه من يعقله من الناس؛ شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه، أفقر ما كان إلى جنته، وإن أحدكم واللَّه أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"يعمل" أو مفعوله، قال القاضي: وأشبههم به من جال بسره في عالم الملكوت وترقى بفكره إلى جناب الجبروت ثم نكص على عقبيه إلى عالم الزور والتفت إلى ما سوى الحق، فجعل سعيه هباءً منثوراً. وقلت: جعل المشبه حال المنفق أوفق لتأليف النظم؛ لأن هذه الآية مقابلة لقوله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ)، وله أن يقول: دلالته عليه على سبيل الإدماج لا ينافي ذلك لكن قوله: أشبههم، ينافيه.

قوله: (شيخ كبير، ضعف جسمه، وكثر صبيانه، أفقر ما كان إلى جنته)، روي "افقر"، منصوباً ومرفوعاً، فالنصب: على أن يكون ظرفاً لقوله: "ضعف جسمه"، و"ما": مصدرية، والوقت مقدر والمضاف محذوف، أي: ضعف جسمه زمان أفقر أزمنته إلى جنته، على أن إسناد أفقر إلى الزمان نحو إسناد "صائم" في قوله: "نهاره صائم" إلى النهار. والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة صفة لموصوف محذوف، المعنى: ضعف جسمه زماناً هو أفقر أزمنته إلى جنته، والإسناد أيضاً مجازي، وقيل: "أفقر": خبر "شيخ"، والجملة التي ساقها بيان لقوله: "مثل"، وفي الجملة في كلام الحسن ما يعقب به الكلام مقدر؛ لأن التقدير: شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه وحصل في زمان هو أفقر ما كان إلى جنته فهلكت بالصاعقة تلك الجنة، فبقي متحيراً، وكذا التقدير: "أن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا، فإذا كان يوم القيامة وجد تلك الأعمال محبطة فيتحسر عند ذلك" يدل عليه قوله تعالى: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ).

<<  <  ج: ص:  >  >>