للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عند الله هو: العالم العامل تنبيه على أن قوله: (أُوْلُوا الأَلْبَابِ) مظهر وضع موضع المضمر، وأن العاقل الكامل المتناهي هو الذي بالغ واجتهد في الجمع بين العلم والعمل وأتقن فيهما ورسخ بهما قدمه، وأما قوله: "والمراد به الحث على العمل بما تضمنت الآي في معنى الإنفاق" إشارة إلى بيان التوفيق والنظم بين الآي، وأن المنفق في سبيل الله هو العالم الرباني والحكيم المحق، ومن فقد ذلك فقد حرم أن يسمى حكيماً، وبيانه- والعلم عند الله-: أن الله عز شأنه لما بالغ في أمر الإنفاق حين شرع في بيانه بضرب الأمثال والرجوع إليه مرة بعد أخرى كما سبق، أتى بعد ذلك بما عسى أن يمنع المكلف من الإنفاق من تسويل الشيطان وإغوائه النفس الأمارة خوف الفقر والإعدام، وتزيينه المعاصي والفواحش، فقال: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَامُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)، وقابل الخصلتين بما يقابلهما من الحسنتين بقوله: (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً)، ثم كمله بما هو العمدة فيه وهو قوله: (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المشتملة على سعة الإفضال ووفور العلم ليكون تمهيداً لذكر ما هو أجل المواهب وأسنى المطالب، وهو الحكمة، ليكون حثاً على ما تضمنت الآي من معنى الإنفاق، فعند ذلك تنبه الطالب لأمر خطير فاضطر إلى السؤال بلسان الحال: ليت شعري، هل أحد يتصدى لهذه المنقبة الشريفة والمنزلة الرفيعة؟ فنودي من سرادقات الجلال: من خصه الله تعالى بالحكمة ووفقه للعلم والعمل، ثم ذيل ذلك بقوله: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) تعريضاً لمن لا يتعظ بهذا البيان الشافي، المعنى: لا يذكر ذلك إلا من عرف الحكمة ورسخت قدماه فيها، لا من لا يرفع لها رأساً، فإنه في عداد الأنعام بل هم أضل سبيلاً، وفي قوله: (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) إيماء إلى معنى قوله صلوات الله عليه: "مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثدييهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت بمكانها"، أخرجه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>