(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ): يوفق للعلم والعمل به. والحكيم عند اللَّه: هو العالم العامل. وقرئ:(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) بمعنى: ومن يؤته اللَّه الحكمة، وهكذا قرأ الأعمش. و (خَيْراً كَثِيراً) تنكير تعظيم، كأنه قال: فقد أوتي أي خير كثير. (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) يريد الحكماء العلام العمال. والمراد به الحثّ على العمل بما تضمنت الآي: في معنى الإنفاق.
قوله:(والحكيم عند الله هو: العالم العامل)، كذا عن القاضي، قال الإمام: الحكمة لا يمكن خروجها عن هذين المعنيين، وذلك أن كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، فقول إبراهيم عليه السلام:(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً)[الشعراء: ٨٣] إشارة على العلم، ثم قوله:(وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[الشعراء: ٨٣] إشارة إلى العمل، وقول عيسى عليه السلام:(إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ)[مريم: ٣٠] إشارة إلى العلم، ثم قوله:(وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ)[مريم: ٣١] إلى العمل، وقال تعالى لموسى عليه السلام:(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا)[طه: ١٤] مشيراً إلى العلم، ثم قال:(فَاعْبُدْنِي) مشيراً إلى العمل، ثم عم جميع الأنبياء بقوله:(أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا)[النحل: ٢] مريداً به العلم، وبقوله:(فَاتَّقُونِ)[النحل: ٢] العمل، قال أبو مسلم: الحكمة فعلة من الحكم، ورجل حكيم: إذا كان ذا حجى ولب وصلابة رأي، فعيل بمعنى فاعل، ويقال: أمر حكيم، أي: محكم، فعيل بمعنى مفعول، فالحكمة لا تحصل إلا بموهبة الله ومتابعة الأنبياء والاستقامة عليها، إذ هي مأخوذة من مشكاة النبوة المقتبسة من أنوار القدس، وأن التفكر والعلم لا يفيد النفس استعداد قبولها ابتداء بل إن الله عز شأنه بفيضه الأقدس يجود بالاستعداد لأنفس الأنبياء وخواص متابعيهم فيفيض الحكمة عليهم، وفي قول المصنف:"الحكماء: العلام العمال" على المبالغة، بعد قوله: "والحكيم